زياد غصن
ما نحن عليه اليوم تخطى قولاً وفعلاً مصطلح “المزرعة”.
فهذا المصطلح، والذي كان عبارة عن تشبيه شعبي لعلاقة بعض المسؤولين بالمؤسسات الحكومية، لم يعد يعبر بأمانة عن سير تلك العلاقة حالياً.. والأدق أنه لم يكن كذلك حتى في السابق!
وللتنويه، فإن هذه العلاقة، وعلى غرار الشائع شعبياً، ليست قائمة دوماً على عمليات نهب وسرقة مقدرات هذه المؤسسة أو تلك، وإنما في جانب هام منها هي ذات طابع إداري. وهذا ما تسبب في خراب وتوقف العديد من المؤسسات والشركات، وترهل البعض الآخر.
لكن.. لماذا لم يعد مصطلح “المزرعة” يعبر عن واقع الحال؟
باختصار، الفلاح أو صاحب المال الذي لديه مزرعة، لا يتعامل معها كما تعامل ويتعامل بعض المسؤولين مع المؤسسات والشركات الحكومية بمختلف مهامها وأعمالها.
فالفلاح الحريص على الاستفادة المادية سنوياً من إنتاج هذه المزرعة… لا يقطع أشجارها بحجة التقليم، ولا يتركها بلا سقاية بحجة عطل المضخة، ولا يترك العشب الضار ينمو فيها على حساب الأشجار، ولا يسمح للأمراض بأن تنتشر فيها بحجة ارتفاع أسعار المبيدات… وإلا فإن إنتاج المزرعة سوف يتراجع سنوياً حتى يتوقف نهائياً، وتموت الأشجار!
وصاحب المزرعة الذي يحرص على نجاح مزرعته والمباهاة بخضرتها والاستمتاع بها، لا يستغني عن خدمات العاملين فيها من أصحاب الخبرة والإخلاص، ولا يسلّم عملية التلقيم فيها إلى بائع فحم في القرية، ولا يستعين بسائق باص ليتولى مكافحة الأمراض والأوبئة فيها، ولا يأتمن صاحب سوابق في الفشل والسرقة على جمع محصولها من الثمار والمنتجات، ولا يجعل من مستخدم صاحب صولة وجولة على العاملين فيها، ولا يهملها عندما تظهر علامات العجز المبكر على أشجارها….!!
وكذلك فإن العاملين في المزرعة لن يكونوا عندئذ أقل حرصاً من صاحبها، فالمزرعة هي في النهاية مصدر دخلهم، وعليها يتوقف مستقبلهم. فمن الذي يشغّل فلاحاً عَمِل في مزرعة كان إنتاجها متواضعاً أو أن أرضها تحولت لاحقاً إلى “بور”؟
فهل تأكدتم أن صاحب المزرعة الحقيقي هو الذي يضمن تفوق مزرعته إنتاجاً وزراعة؟
وهل تأكدتم أنه كان من الخطأ تشبيه علاقة بعض المسؤولين بمؤسساتهم بعلاقة صاحب مزرعة بمزرعته؟
أنا أتمنى لو كانت كذلك، فعلى الأقل كانت هذه المؤسسات ستظل قادرة على العطاء، تحافظ على كوادرها وخبراتها، لا تصيبها الأمراض، لا تتعطل مرافقها، ولا يجرؤ أحد على قطع غصن فيها.
المشهد