واشنطن منعت شتاءً أوروبياً دافئاً: تفاصيل المشروع السوري لتصدير النفط الإيراني!
زياد غصن
بخلاف ما يُشاع إعلامياً، ولغايات سياسية، فإنَّ مشروع استثمار الواجهة البحرية لسوريا إقليمياً كان طرحاً سورياً منذ سنوات ما قبل الحرب. سعت دمشق من خلال هذا المشروع إلى استثمار موقعها الجغرافي سياسياً وجغرافياً، فطرحت خلال العقدين الأخيرين جملة أفكار، كان من أهمها مسألة تصدير النفط والغاز العراقي والإيراني عبر المرافئ أو الأراضي السورية.
ويذكر بعض الخبراء السوريين أن بلادهم شاركت في العام 2008 في مؤتمر في ألمانيا، رفعت خلاله شعاراً مفاده “سوريا.. العقدة”، ليعبر عن محورية موقعها الجغرافي في معظم المشروعات الإقليمية والدولية، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، من النقل البري والجوي، إلى الاتصالات، فخطوط نقل الطاقة.
وخلال السنوات الماضية، كُتب وقيل الكثير عن مشروعات نقل النفط والغاز العراقي والإيراني وتصديرهما عبر الأراضي السورية، ولا سيّما بعد توقيع الدول الثلاث على مذكرات تفاهم ثنائية أو ثلاثية لتنفيذ تلك المشروعات، إلا أنّ الدخول في بعض تفاصيل تلك المشروعات يظهر خلفية المعارضة الأميركية لها، واختيار التنف مقراً لقاعدة عسكرية تتولى مهمة عرقلة أي ربط جغرافي بين الدول الثلاث، وأيضاً ضمان عدم وصول النفط والغاز العراقي والإيراني إلى الأسواق الأوروبية، وتالياً إبعاد أيّ تهديد محتمل لحصة صادرات الطاقة الأميركية من تلك الأسواق.
بعض هذه التفاصيل ظهرت أهميته أكثر مع الاضطرابات التي تعيشها الأسواق الأوروبية مؤخراً جراء الأزمة الأوكرانية، لكن كيف؟
الشتاء الأوروبي الدافئ!
على أهميته المتأتية من عدة جوانب سياسية واقتصادية، فإنَّ الاتفاق السوري الإيراني العراقي على تصدير النفط الإيراني والعراقي عبر سوريا، والذي وقعت الدول الثلاث على الاتفاقية الإطارية الخاصة به في العام 2013، كان يمكنه، في حال تنفيذه، تغيير خريطة موردي الطاقة إلى الأسواق الأوروبية أو ضمان استقرار توريد النفط والغاز إلى تلك الأسواق.
إنَّ الاتفاق الذي كان النقاش حول تفاصيله في بداية الأمر ينطلق من مدّ خطوط لنقل النفط بسعات عادية بين البلدين عبر الأراضي العراقية، وبما يلبي احتياجات البلدين آنذاك، سرعان ما حوله خبراء البلدين إلى مشروع استراتيجي، يبدأ بزيادة سعة الأنابيب التي سيجري مدّها بطول 1850 كم من إيران إلى سوريا، وبقطر قدره 56 إنشاً، وباستطاعة تصل إلى 110 مليون م3 يومياً، أي حوالى 40 مليار م3 سنوياً (يرافقه خط غاز لتشغيل محطات ضخ النفط وتصدير فائض الغاز أيضاً)، ويصل إلى سعة المستودعات والخزانات، التي كان من المقترح لها أن تقام قرب بلدة الناعم في محافظة حمص، وبسعة تخزينية قدرها 50 مليون برميل، وهي كمية كانت كافية، بحسب الخبراء السوريين، لسد النقص في الاحتياجات المحلية لسوريا من جهة، ولجعل شتاء الأوروبيين دافئاً ومستقراً من جهة أخرى. ويبدو أن هذا هو ما أقلق شركات النفط الأميركية، التي رأت في المشروع تهديداً مباشراً لمصالحها من ناحيتين:
– الأولى إمكانية أن يستحوذ النفط والغاز القادمان من روسيا وإيران والعراق على النسبة الأكبر من السوق الأوروبية، وهذا ستكون له تأثيراته السياسية والاقتصادية في الدور والوجود الأميركي في الساحة الأوروبية من جهة، وفي الموقف الأميركي من طهران ومستقبل برنامجها النووي من جهة ثانية.
– الثانية تتعلق بإمكانية منافسة النفط الإيراني للنفط الأميركي من ناحية السعر، جراء انخفاض تكاليف إنتاجه ونقله، وذلك مقارنة بالنفط الأميركي والغاز الصخري ذي التكاليف العالية. كما أن نقله أو تصديره يتم بالسفن والبواخر العملاقة إلى الأسواق الخارجية، الأمر الذي يضيف أعباء جديدة على تكلفته وأسعاره، إذ تشير البيانات العالمية إلى أن إجمالي الصادرات الأميركية من الغاز المسال يصل إلى 67 مليار م3، مشكّلاً بذلك ما نسبته 45.2% من إجمالي صادرات الغاز الأميركي.
ولتوضيح الأهمية التي كان يمكن للمشروع السوري الإيراني أن يجسدها بالنسبة إلى الأسواق الأوروبية في ما لو كُتب له النجاح، يمكن استشراف تأثيراته المحتملة في تلك الأسواق في حالة الأزمات العالمية، كأزمة الطاقة التي بدأت ملامحها خلال العام، وتبلورت تأثيراتها مع ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً ونقص بعض الإمدادات، ثم جاءت الأزمة الأوكرانية لتدفع أسعار النفط والغاز نحو مستويات غير مسبوقة، وتحدث قلقاً في الأسواق الأوروبية، التي باتت بين مقصلة الإمدادات الأميركية ذات السعر المرتفع، ومخاطر توقف الصادرات الروسية لها، لأسباب مرتبطة بتطورات الموقف الغربي من موسكو جراء عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
هل مات المشروع؟
بناء على ذلك، هل يمكن القول إنَّ مشروع نقل النفط والغاز العراقي والإيراني وتصديرهما عبر المرافئ السورية إلى أسواق المتوسط وما خلفها، سيبقى رهناً بالوجود الأميركي في مناطق كالتنف والجزيرة السوريتين؟ وماذا لو توصَّلت طهران وواشنطن إلى اتفاق حول البرنامج النووي للأولى؟ هل يمكن أن ينعكس ذلك إيجاباً على المشروع المشار إليه سابقاً؟
لا يُتوقع أن يشهد المشروع الطموح عدة انفراجات قريبة، لعدة اعتبارات أبرزها الوجود الأميركي غير الشرعي في الأراضي السورية، والهادف في جزء من استراتيجية استمراريته إلى منع تواصل جغرافي سهل وميسر بين إيران والعراق وسوريا، وهي الدول التي تصنّف أميركياً معادية أو تضمّ حركات ومنظمات تعادي سياسات واشنطن في المنطقة، وتهدد الأمن القومي، بحسب التعابير والمصطلحات الأميركية، فضلاً عن أنّ المنطقة التي تشكّل “العمود الفقري” في تنفيذ أجزاء المشروع، لا تزال تنشط فيها خلايا لتنظيم “داعش”، وهو ما يعني إمكانية عرقلة أو استهداف التنظيم المستمر لمرافق المشروع وخطوطه.
وحتى لو توصلت الوفود المشاركة في مفاوضات فيينا إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، فإن ذلك، وإن كان سيؤثر إيجاباً في ملفات إقليمية عدة تتشارك طهران وواشنطن في التأثير في مسارها، فإن السماح بتصدير النفط الإيراني عبر المرافئ السورية لن يكون بتلك السهولة التي توقعها خبراء البلدين في العام 2013، فالعامل الإسرائيلي سيظل حاضراً لمنع أيّ تطور مرتقب يدعم موقف “الجبهة المعادية” له، وهو ما يمكن استنتاجه من الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية، بحجة استهداف مصالح ومراكز إيرانية.
ولكن هل ستسمح طهران ودمشق لـ”تل أبيب” بأن توقف مشروعاً من شأنه تغيير خريطة الأسواق المستهلكة للطاقة في أوروبا وتوفير إيرادات جيدة للبلدين؟ وماذا عن الموقف الروسي؟ ألا يمكن أن يعتبر تدفق النفط والغاز العراقي والإيراني إلى أوروبا منافساً له، وربما يتحول إلى بديل من إمداداته أيضاً؟
تذهب معظم التقديرات العالمية إلى أنَّ نسبة مساهمة الصادرات الروسية من النفط والغاز إلى الأسواق الأوروبية تتراوح ما بين 40-45%. ميزة هذه الصادرات أنها الأقل تكلفة على المستهلكين الأوروبيين، لكونها تُنقل بواسطة شبكة أنابيب تمتد بين عدة دول، في حين أنَّ جزءاً من الصادرات الأخرى المنافسة يُنقل بواسطة السفن والبواخر، ما يجعلها أكثر تكلفة.
تالياً، إنّ منافسة النفط والغاز القادمين من العراق أو إيران ستكون محكومة أولاً بالمستويات السعرية لهما مقارنة بأسعار المنتجات المشحونة بحراً، وثانياً بضمان استقرار التوريدات وسرعتها. والأهم أنَّ التنسيق السياسي بين محور موسكو وطهران ودمشق سيكون البوصلة لتعاون الدول الثلاث في مجال الطاقة أيضاً، وربما الاتفاق الروسي السعودي حول كميات الإنتاج يشكل نموذجاً آخر، لكن يبقى كل هذا رهناً بما يحدث في كواليس السياسة الدولية، وما يدور بين الدول وعلاقات بعضها بالبعض الآخر.
ومن المهمّ الإشارة هنا إلى أنَّ أزمة الطاقة في أوروبا يمكن أن تجعل من المعامل الغازية الكبيرة في شرق المتوسط طوق نجاة للاقتصاد الأوروبي، لكونها قريبة جغرافياً، إضافةً إلى أنَّ خط الغاز العربي متصل بالشبكة التركية من خلال وصلة حلب كيليس. وتالياً فيزيائياً، فإن خط الغاز العربي متصل مع قلب شبكة الغاز الأوروبية في بومغارتن النمساوية، ما يطرح تساؤلات عن إمكانية أن تدفع المعامل الغازية في البحر السوري أوروبا إلى انتهاج سياسة أكثر واقعية حيال تعاطيها مع الملف السوري؟
الميادين نت