تمثل المنطقة الشرقية المتصلة ببادية حماة وريفها الموقع الأهم لتربية الثروة الحيوانية بمختلف أنواعها، بما فيها الدواجن، وكانت في سنوات خلت المصدر الأول لإنتاج اللحوم والألبان ومشتقاتها وكذلك الفروج وبيض المائدة، لكن خلال السنوات الأخيرة بدأ المربون يشكون من الصعوبات التي أجبرت العديد منهم على ترك العمل بها نتيجة توالي الخسارات بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف والمحروقات وقلّة المراعي هذا العام.. الخ، ويبدو أن المحافظة عليها تحتاج لتكاليف كبيرة غير متوفرة، والمربون الذين باتوا على حافة الإفلاس غير قادرين على تأمينها نظراً لغياب الدعم!.
غلاء كبير
ومنذ أكثر من عام وأسعار الأعلاف في تضاعف مستمر، فقد وصل سعر كيلو الشعير إلى أكثر من 2500 ليرة وكيلو التبن 1400 ليرة وكيلو النخالة 2300 ليرة، وعلى الرغم من حلول فصل الربيع، والذي غالباً ما يأمل فيه المربون باتساع رقعة المراعي ما يوفر عليهم كميات كبيرة من الأعلاف، إلا أن تأخر هطول الأمطار هذا العام أثر بشكل سلبي على تلك المراعي، ما زاد من معاناة المربين الذين يعملون على ضمان الأراضي الزراعية “البور” في محاولة منهم لتوفير ما أمكن من التكاليف، رغم أن تلك المراعي باتت صعبة المنال لارتفاع أسعار ضمانها، فقد يصل سعر ضمان الدونم الواحد “البور” إلى 30 ألف ليرة، أما عن أسعار ضمان أراضي الشعير فقد يصل سعر ضمان الدونم إلى أكثر من 100 ألف ليرة.
وهنا أشار الدكتور بيان العبد الله مدير فرع البادية بحماة إلى أن قلة الأمطار والجفاف هذا العام أدت إلى تراجع كبير بمساحات الرعي، ما سيؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف إضافة إلى الارتفاع الكبير بضمان الأراضي الرعوية، فيما ذكر أحد المربين أن قطيع الأغنام خاصته البالغ 30 رأساً يحتاج لحدود 100 ألف ليرة يومياً، وهذا المبلغ إذا ماقورن بالإنتاج فهو يعتبر كبيراً جداً، ذلك لأن إنتاج الأغنام من الحليب لا يمكن استثماره بشكل كامل لحاجة الخراف لهذا الحليب كي تنمو وتكبر.
وواقع الدواجن ليس أفضل حالاً، فقد اشتكى مربو الدواجن من غياب الدعم، وخاصة الأعلاف، حيث تقدم مادة علفية واحدة بدون متممات وبأسعار قريبة من أسعار السوق، إضافة إلى قلة المازوت الممنوح من قبل الجهات الحكومية ونفوق أعداد كبيرة من الطيور بسبب الأمراض وارتفاع أسعار الأدوية البيطرية.
توجه خاطئ
وبرأي الخبير في مجال التنمية أكرم عفيف فإن الثروة الحيوانية وما آلت إليه بالأعوام الأخيرة ما هو إلا بسبب قلة الحيلة عند المعنيين في الأمر الذين فشلوا في التعامل مع تنمية الثروة الحيوانية، وذلك من خلال دعم المستوردين بدلاً من المنتجين والمربين، مشيراً إلى أن كلّ ما قُدّم من دعم ما هو إلا فتات لا يغني ولا يسمن من جوع، ونتيجة ذلك استمرت الخسائر التي أنهكت المربين الذين لم يعد لديهم طاقة على التحمّل، وحتى المستهلك بات عاجزاً هو الآخر عن تأمين حاجاته من اللحوم والبيض ومشتقات الحليب نظراً لارتفاع أسعارها.
مصارف بلا قروض
وفيما يتعلق بالقروض الزراعية المقدمة من المصارف الزراعية التي تقتصر على تجار المواشي الذين يملكون حظائر كبيرة مرخصة ويحرم منها المربون والمنتجون الصغار، يرى عفيف أن هذه سياسة زراعية فاشلة، مطالباً بضرورة تعديل نظام الإقراض عن طريق منح بعض الأسر الريفية عدداً قليلاً من الأغنام أو بقرة أو ماعز للتربية المنزلية، فالأسرة قادرة على إطعام 5 رؤوس من الأغنام على سبيل المثال، بينما المربي غير قادر على تربية 400 رأس بسبب الظروف الحالية السيئة وارتفاع كافة مستلزمات العناية بها، وبالتالي نكون قد أنقذنا أسراً بأكملها من الجوع والفقر وحافظنا على ثروتنا الحيوانية. ويضيف عفيف: لا يوجد قانون يمنع هذا كون القوانين وضعت لخدمة الناس لا أذيتهم، وإلا فليتمّ إغلاق هذه المصارف الزراعية كونها غير قادرة على التدخل إيجابياً لإنقاذ ما تبقى من ثروتنا الحيوانية.
دعم.. ولكن!!
وبحسب تأكيدات المهندس أشرف باكير مدير زراعة حماة، تعمل وزارة الزراعة على تقديم الدعم الممكن للمربين عن طريق تقديم اللقاحات لكافة الأمراض بشكل مجاني، وقد أطلقت مديرية الزراعة حملة لتلقيح 50 ألف رأس بقر من الحمى القلاعية، وأشار باكير إلى أن هناك حملات متكررة لمختلف أنواع الأمراض، كما تقوم الزراعة بإطلاق العديد من البرامج الإرشادية كدليل للمربي حول أحدث التطورات في مجال التربية والرعاية والأطباء البيطريين في الإرشاديات، إضافة إلى تقديم مقننات علفية عن طريق مؤسسة الأعلاف بسعر مدعوم للمربين بعد إعداد عملية الإحصاء.
وأوضح تمام نظامي مدير مؤسّسة الأعلاف تكليفاً، أنه تمّ البدء بطرح مقنن النخالة للأغنام من تاريخ 16 كانون الثاني ومستمر حتى نهاية شهر أيار بنحو 4كغ للرأس الواحد، وتمّ مؤخراً زيادة هذا المقنن بنحو 2 كيلو ليصبح 6كغ لكل رأس بناءً على إحصاء مديرية الزراعة عام 2020، أما الأبقار فقد تمّ فتح مقنن علفي بنحو 150 كغ من جاهز الحبوب لكل رأس، وهو مستمر أيضاً حتى نهاية شهر أيار، كما تقدم المؤسسة للدواجن 500 غرام ذرة للطير الواحد و300 غرام صويا و200 غرام نخالة للذين يملكون رخصاً لـ5000 طير ومادون، أما من يملك 5000 طير وما فوق فيتمّ تقديم 400 غرام ذرة و300 غرام صويا و200 غرام نخالة.
غير كافية
وفي لقاء مع عدد من المربين أكدوا أن هذا الدعم “الفتات” غير كافٍ، لأن الخسائر كبيرة ويحتاج تعويضها لدعم كبير يُحفز المربين على استمرار العمل بالثروة الحيوانية، فيما أكد طبيب بيطري فضّل عدم ذكر اسمه، أن اللقاحات والأدوية البيطرية المتوفرة في المراكز البيطرية غير كافية، فالقطيع يصاب بأمراض عديدة أبرزها التسمّم المعوي المعروف بين المربين “مرض العراقي”، وهو مرض يسبّب موتاً مفاجئاً للحيوان، كما يصاب بمرض الباستيريلا بشكل كبير خاصة بين المواليد الحديثة، وجميع هذه الأمراض تحتاج لمضادات حيوية ولقاحات (كالانتي هيستامين والانروفلوكساكسين والتايلوزين والاوكسي) وهي قليلة جداً في المراكز البيطرية التابعة للوزارة لكنها متوفرة في السوق بأسعار مرتفعة.
حلول لا بد منها
بالعودة للخبير أكرم عفيف، فقد طرح عدة مقترحات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثروتنا الحيوانية، واعتبر أن هذا الأمر يحتاج لعمل متكامل من كافة الجهات، بدءاً من العمل على البدائل عن طريق مقنن علفي سوري، حيث يعتبر سهل الغاب -على سبيل المثال- غنياً بالمياه، وغالبية المزارعين يقومون بزراعة القمح، لذلك لابد من زراعة مكونات علفية تمنح للفلاح بسعر مناسب، كما يجب أن يكون الحدّ الأدنى لشراء الحليب مناسباً أو موازياً لسعر العلف. وأضاف عفيف أنه لابد من العمل على نظام تأمين للثروة الحيوانية بحيث يتمّ التأمين على الأبقار وتعويض المربي في حال نفوقها، كما يجب العناية والاهتمام بالقطاع البيطري والمراكز البيطرية ومنحها كافة المعدات، فقد تبيّن فشل هذا القطاع عندما تمّ حقن الأبقار بإبرة واحدة كلقاح لداء الكتل الجلدي، وهذا ما أدى إلى إصابة الأبقار السليمة ونقل العدوى لها من الأبقار المصابة، ولابد أيضاً من منح قروض ميسرة لشراء أعداد قليلة من القطعان وتشجيع التربية المنزلية لأهل الريف دون وضع شروط تعجيزية، كما يمكن أن تقوم الحكومة بإيجاد حلول عن طريق زيادة وحدة الإنتاج العمودي على المساحة عن طريق تحسين نوعية الأسمدة والبذار بحيث يصبح إنتاج الدونم الواحد 1000 كيلو بدلاً من 400 كيلو الذي كان ينتجه سابقاً.
أما مدير فرع البادية فقد شدّد على ضرورة دعم المربين عن طريق منحهم كافة مستلزماتهم من محروقات وأعلاف وقروض ميسرة وأدوية بيطرية، إضافة إلى العمل على تأهيل الآبار الارتوازية في البادية لسقاية المواشي وزيادة المساحات الرعوية.
أخيراً.. شئنا أم أبينا بات واقع الثروة الحيوانية مهدداً بشكل مخيف، وهذا الأمر يجب دراسته من قبل وزارتي الزراعة والاقتصاد، حيث اعتبر بعض الخبراء أن “تطنيش” المعنيين وعدم إدراكهم لحجم الخطر سيقودنا للكارثة التي تقضي على الثروة الحيوانية!!.
سيرياستيبس