تتسارع الأحداث الدولية مؤخراً بما يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على اقتصادات دول العالم, ولسنا بمنأى عن تأثيرات هذه الأحداث لكوننا جزءاً من هذا العالم, ففي حال طالت مدة الحرب الروسية الأوكرانية, وما يتبعها من تداعيات كارتفاع أسعار المواد الغذائية أو صعوبة توريد بعض المواد وغير ذلك من منعكسات , ما تأثرنا نحن على المستوى المحلي, وما الإجراءات الواجب اتخاذها والخطط لمواجهة ظروف كهذه, وما البدائل لدينا للتخفيف ما أمكن على الأوضاع المعيشية داخلياً ؟ في إجابة على تلك التساؤلات تؤكد الوزيرة السابقة الدكتورة لمياء عاصي لـ« تشرين» أن كل الدول وعلى مرّ التاريخ كانت تولي أهمية قصوى للأمن الغذائي, اليوم ونتيجة للحرب الروسية -الأوكرانية, تواجه الدول المتقدمة والنامية مخاطر كبيرة في تأمين المواد الغذائية والأسمدة, وطبعاً, الدول النامية هي الأكثر تأثراً بالأزمة الغذائية وانكشافاً لكل تداعياتها, لأنها تعتمد على الاستيراد بشكل كبير, إضافة إلى قدراتها المحدودة على امتلاك تحوّط مالي يمكّنها من مواجهة ارتفاعات أسعار المواد الغذائية عالمياً , كما أنها تفتقر للحفاظ على كميات احتياطية مناسبة من المواد الغذائية الأساسية ولاسيما القمح, حيث شهد سعر القمح العالمي في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً بنسبة 56.2%
وأشارت الدكتورة عاصي إلى أن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, في إطار تفاقم أزمات الغذاء والأسمدة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية- الأوكرانية، وما أوجدته من صعوبات في عمليات الإمداد والتوريد لكل السلع, وخصوصاً القمح والزيوت والأسمدة , وحسب كل المحللين, فإن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا تشكل عائقاً كبيراً أمام الصادرات الروسية للانسياب إلى السوق العالمية, وتؤدي إلى حرمان كثير من الدول من إمدادات القمح والأسمدة, في أسوأ سيناريو عالمي, والجدير بالذكر أن صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا معاً تبلغ نحو ثلث الصادرات العالمية.
وعن الإجراءات الواجب اتخاذها والخطوات لمواجهة ظروف كهذه أوضحت الدكتورة عاصي أن الشبح المخيف لأزمة غذاء عالمية بدأ يلوح في الأفق, وسورية تواجه، سلفاً، عدداً كبيراً من الأزمات, منها تأثيرات العقوبات الغربية والحصار الاقتصادي عليها, والانكماش الحاصل في الإنتاج المحلي الإجمالي وانعكاسه على مناحي الحياة فيها, وتأتي تأثيرات الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا لتضع مزيداً من العراقيل والصعوبات أمام توريد المواد الغذائية والأسمدة وغيرها وترفع أسعارها, ما يسبب ارتفاعاً جديداً في معدلات التضخم في البلاد.
مبيّنة أن هناك إجراءات مطلوبة سريعاً, إضافة إلى تشجيع الإنتاج , بأن تكون هناك ترتيبات ومباحثات خاصة بشأن تأمين واردات القمح والأسمدة مع الجانب الروسي للفترة الزمنية القادمة، وعدم السماح بالتصرف به, بما يسبب المزيد من الشحّ والندرة وارتفاع أسعاره بشكل غير متلائم مع دخل الناس في السوق المحلي, إضافة إلى تجريم احتكار وتهريب المادة باعتبارها أمناً وطنياً.
وعن البدائل والخيارات التي تخفف على الأوضاع المعيشية داخلياً, قالت الدكتورة عاصي: تبدو البدائل الممكنة بدهية, تتمثل في زيادة المساحات المزروعة ورفع كفاءة الإنتاج سواء بتأمين البذار المحسّن أو الأسمدة أو المساعدة في تأمين طرق الري المناسبة, و تشجيع المزارعين لزيادة محصولهم , سواء بدعم متطلبات الزراعة بأسعار مقبولة وتسهيلات ائتمانية, بضمانة محصولهم وبإعطائهم ثمن محاصيلهم بسعر تشجيعي يفوق السعر العالمي للقمح, لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الحاجة إلى الاستيراد, لا أن يحدد سعر الكيلوغرام من القمح بناء على تكاليفه من سماد وبذار ومشتقات نفطية من دون النظر إلى ارتفاع معدلات الأسعار والتكاليف الفعلية التي يدفعها الفلاح بالسعر الحر في أكثر الأحيان, ومدى قدرة هذه الأثمان التي تحددها الدولة لكيلو القمح,على تلبية الاحتياجات الضرورية للمزارع , وبالتالي تشجيعه على بيع محصوله للدولة ، مع العلم بأن معظم الدول تدعم المزارعين بنسبة لا تقل عن 30%
وأشارت الدكتورة عاصي إلى أن الظروف تؤكد, بأنه لا بديل عن زيادة الإنتاج المحلي من القمح والحبوب بشكل عام, ولا بد من جهود ضخمة يجب أن تبذلها المؤسسات المعنية في الحكومة , لتأمين كميات احتياطية من مادة القمح , لتغطية احتياجات المواطنين لأطول مدة ممكنة, إضافة للقيام بإجراءات من شأنها تعزيز التحوّط المالي الذي يساعد على مواجهة ارتفاعات غير متوقعة بأسعار القمح.
تشرين