انخفضت كمية استهلاك المواطن السوري من السلع والخدمات إلى 43.9 بالمئة في العام 2020، مقارنة بما كان يستهلكه في العام 2011، نتيجة ظروف الحرب والعقوبات والحصار الاقتصادي، الأمر الذي أثر بشكل ملموس في المستوى المعيشي وفي ارتفاع مستويات الفقر في البلد.
وكشفت بيانات المكتب المركزي للإحصاء عن العام 2021 أن الاستهلاك النهائي العائلي في العام 2020 بلغ 74٫7 مليارات ليرة، وعلى اعتبار أن عدد السكان المقدر من المكتب خلال العام 2020 بلغ 22.5 مليوناً، فإن وسطي إنفاق الفرد الواحد على الاستهلاك بلغ نحو 9 ليرة سورية بالأسعار الثابتة للعام 2000، وذلك بمعزل عن التضخم وأثره.
وبناء على ذلك وصل إنفاق الأسرة السورية (بوسطي 5 أشخاص) يومياً فقط 45.48 ليرة سورية على استهلاك السلع والخدمات، بما يعادل 1365 ليرة سورية في الشهر.
بدوره الإنفاق الحكومي على الاستهلاك شهد انخفاضاً، إذ بينت بيانات المركزي للإحصاء أن الحكومة أنفقت أكثر من 252.3 مليار ليرة سورية في العام 2011 على الاستهلاك، بالأسعار الثابتة (سنة أساس 2000)، في حين أنفقت بنحو 224.4 مليار ليرة في العام 2020.
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنفاق النهائي العائلي التقديري للعام 2020 وفقاً للأسعار الجارية بلغ 17344 مليار ليرة، ما يعني أن وسطي إنفاق الفرد الواحد على الاستهلاك وفقاً للأسعار الجارية بلغ نحو 2110 ليرات سورية يومياً في العام 2020، في حين بلغ نحو 1340.2 ليرة سورية في العام 2019، بنسبة نمو بلغت 60 بالمئة.
وعليه فإن الأسرة السورية (بوسطي 5 أشخاص) أنفقت يومياً 10553 ليرة سورية على استهلاك السلع والخدمات، بما فيها «الرفاهية»، في العام 2020، بما يعادل 316 ألف ليرة سورية في الشهر، وباستثناء نسبة 10 بالمئة للرفاهية، تكون الأسرة أنفقت نحو 9498 ليرة يومياً، ما يعادل 284930 ليرة شهرياً، وسطياً، على اعتبار أن عدد السكان 22.5 مليون نسمة، كما هو مقدّر في مكتب الإحصاء.
والسؤال كيف استطاع المواطن السوري زيادة إنفاقه على السلع والخدمات أمام الاستمرار في ارتفاع الأسعار والجمود النسبي في دخله؟! وهل انخفاض مساهمة الدولة في الاستهلاك الخاص يعني أن الحكومة سحبت يدها عن الدعم وجمدت الرواتب والأجور؟!
الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بدمشق الدكتور رسلان خضور رأى أنه وحتى يكون تقدير الإنفاق بالدولار صحيحاً يجب أن يتم احتساب سعر الصرف حسب تعادل القوة الشرائية للدولار، موضحاً أنه ووفقاً للدراسات العالمية لتعادل القوة الشرائية بين الولايات المتحدة والبلدان النامية تبين أن قيمة الدولار في أميركا يعادل 4 أضعاف القوة الشرائية في دول أخرى.
وأشار خضور إلى أن تراجع سلة الرفاهيات من سلة مستهلاكات الأسرة السورية سببه ضعف الدخل والقدرة الشرائية للمواطن، مؤكداً ضرورة لحظ التفاوت الكبير في مستويات الدخل والإنفاق بين الأسر.
وحول تراجع الإنفاق الحكومي رأى خضور أن ذلك يعود إلى سياسة الحكومة في ضغط النفقات بشكل أساسي وخاصة مع بداية دخول عقوبات «قانون قيصر» حيز التنفيذ خلال العام 2020.
أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق والمدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء شفيق عربش رأى أن عملية التقدير لا تستند إلى أي أساس علمي وأن هناك نقاطاً تتعلق بموضوع تقدير عدد السكان، وهذه البيانات تبين حجم التضخم الكبير في سورية وهو ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للناس وحتى لو كانت لديها زيادة في كتلة الدخل المزعومة وفقاً لهذه التقديرات.
وقال: لا يمكن بالنسبة لبيانات الحسابات القومية هذا متوسط نصيب الفرد، فهناك خلل كبير في عدالة التوزيع، وهذه البيانات ترصد تنامي ظاهرة الفقر في سورية وتراجع القدرة الشرائية للناس ونسبة الآمنين غذائياً في سورية، إضافة إلى أن الإنفاق أصبح لسد جوع وليس لعملية تغذوية.
وأكد أن البيانات بعيدة كل البعد عن الواقع الذي نعيشه ويمكن ملاحظة وجود بعض المقارنات كالتجارة في سورية بين 2019 و2020 حيث توجد ارتفاعات كبيرة غير مفهومة وغير مبررة أبداً.
من جانبها الأستاذة في كلية الاقتصاد بالقنيطرة رشا سيروب، قالت لـ«الوطن»: لطالما كان وصف الاقتصاديين للاقتصاد السوري بأنه اقتصاد ريعي، لكن بعد الحرب أصبحت السمة السائدة بأنه اقتصاد استهلاكي، قبل العام 2010 شكل الاستهلاك (بشقيه العام والخاص) 76.56 بالمئة بالمتوسط من مجمل الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2000-2010، لترتفع هذه النسبة إلى 118.14 بالمئة بالمتوسط خلال الفترة 2011-2020.
وأشارت إلى تركز الاستهلاك في الإنفاق العائلي الذي شكّل 89.7 بالمئة من مجمل الإنفاق الاستهلاكي الذي نما في العام 2020 بنسبة 60.11 بالمئة مقارنة مع العام 2019، وهي أعلى نسبة نمو منذ أكثر من خمسة وخمسين عاماً، مقابل 10.3 بالمئة للاستهلاك الحكومي وهي أقل نسبة منذ أكثر من 55 عاماً.
في حين أظهرت بيانات المكتب المركزي للإحصاء أن الاستهلاك الخاص انخفض بأكثر من 50 بالمئة (56.63 بالمئة) في العام 2020 مقارنة بالعام 2019، وهي أدنى نسبة انخفاض في الاستهلاك حتى بالمقارنة مع أصعب سنوات الحرب (2013) التي لم تنخفض بأكثر من 35 بالمئة.، حيث بلغ وسطي إنفاق الفرد الواحد على الاستهلاك بالأسعار الثابتة بمقدار 9 ليرات سورية يومياً وهي أقل من وسطي إنفاق الفرد في العام 1963 الذي بلغ 72 ل. س يومياً.
كما حال الإنفاق الخاص، كذلك الإنفاق الحكومي على الاستهلاك شهد انخفاضاً، لكن بمستويات أقل، حيث بيّنت إحصائيات وتقديرات المجموعة الإحصائية 2021 أن الاستهلاك الحكومي انخفض بأقل من 7 بالمئة (-6.64 بالمئة) في العام 2020 مقارنة بالعام 2019، حيث بلغ الإنفاق الاستهلاكي الحكومي 224.4 مليار ليرة في العام 2020 بالأسعار الثابتة، وهو أقل مما كان عليه خلال سنوات الحرب حتى في أقسى سنواتها.