يكثر الحديث عن قصر أعمار البطاريات التي تُشترى من الأسواق على الرّغم من ارتفاع أسعارها، إضافة إلى أعطالها الكثيرة التي تصل أحياناً لكارثة انفجار البطارية، واليوم، سوق البطاريات هو أحد أكبر الأسواق، ما أدى إلى الكثير من الغش حسب خبراء، لأن الحاجة الشديدة التي فرضها التقنين الكهربائي القاسي، جعلت الطلب أكثر من العرض، والمعمل الحكومي لا ينتج النوعيات المطلوبة اليوم ولا الكميات الكافية، فتفرد القطاع الخاص بعجره وبجره، وأدخل إلى الأسواق الجيد والسيئ.
ثلاثة معامل جديدة قريباً
بدايةً، تواصلت «الوطن» مع مدير شركة البطاريات في حلب مدحت بولاد، الذي أكد أنه قد تمت الموافقة على توريد ثلاثة معامل بطاريات جديدة لتحقيق نقلة نوعية في الشركة، المعمل الأول سيكون لإنتاج الرصاص وإعادة تدوير سكراب البطاريات بطاقة إنتاجية تصل إلى 1500 طن سنوياً، أما المعمل الثاني فهو بخطي إنتاج الأول لإنتاج بطاريات مغلقة، والثاني لبطاريات الجّل بطاقة إنتاجية تصل إلى 1500 بطارية في اليوم، أما المعمل الثالث فهو مخصص لإنتاج بطاريات الليثيوم بطاقة تصل إلى 6 ملايين أمبير ساعي في السنة، علماً أن التكلفة الإنتاجية لهذه المعامل الثلاثة تصل إلى 41,7 مليون دولار مع مواد أولية تكفي لمدة ثلاثة أشهر، لافتاً إلى أن عقد التوريد جاهز ومصدّق من جميع الجهات، وأن المباشرة مقترنة بتفعيل الخط الائتماني الإيراني, وسيتم التوريد تباعاً لمدة عامين ونصف.
وأضاف بولاد إن الشركة حالياً وبسبب تدمير كل مخابرها وخطوطها الأوتوماتيكية بفعل الإرهاب، أصبحت تعمل بعقلية السوق وتصنّع بشكل يدوي ونصف آلي، ومع ذلك لا تحتوي منتجاتها على أي نسبة غش في مواصفات البطارية المعلن عنها من ناحية الوزن، إضافة إلى أنها لا تحتوي مواد قديمة من بطاريات مستعملة، فكل المواد تستخدم لأول مرّة، مشيراً إلى أن هذه الشركة هي الشركة الحكومية الوحيدة في سورية التي تصنّع بطاريات سواء حالياً أم خلال فترة ما قبل الحرب.
وتابع: «وفيما يخص منتجات القطاع الخاص، فهي على الأغلب لا تخضع للرقابة، وخاصة أنه لا يوجد معامل حقيقية بخطوط إنتاج وإنما عبارة عن ورش صغيرة، لذا نجد بطاريات رديئة الصنع في الأسواق لا تصنّع وفق أسس فنية صحيحة، وعلى الرغم من أن تكاليفنا تفوق تكاليف السوق بسبب الالتزام بمعايير محددة إلا أن أسعارنا أقل بنسبة 5 بالمئة كحد أدنى، وخاصة بوجود تعاميم تمنع وصول نسبة الربح في الشركة إلى أكثر من 15 بالمئة».
بطاريات وطنية رديئة
ومن سوق الكهرباء في دمشق، أفاد أحد تجار البطاريات لـ«الوطن» بأن كل البطاريات المحلية الصنع والمستوردة مطلوبة بشدة وذلك نظراً لتفاوت القدرة الشرائية لدى المواطنين، فالبطاريات الرديئة الصنع مثلاً يتم شراؤها من ذوي الدخل المحدود، وتكون غالباً من البطاريات السائلة الوطنية سواء أكانت عائدة للقطاع العام أم الخاص، حيث تقتصر المواد الموجودة فيها على «البلاك والرصاص والأسيد»، أما البطاريات التي تستمر عمراً أطول يصل إلى خمسة أعوام فهي المستوردة كبطاريات الجل والليثيوم والبطاريات الأنبوبية والكربونية، مشيراً إلى أن أكثر المنتجات الموجودة في الأسواق حالياً مصدرها الهند وإيران والفلبين.
آلية لضبط البطاريات المحلية قريباً
وحول إمكانية الرقابة على هذه البطاريات، كشف مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة الدكتور يونس علي في تصريح لـ«الوطن» وجود توجه مقبل لضبط جودة التجهيزات المصنّعة محليّاً أيضاً من خلال فرض لصاقة توضع عليها أسوةً بالمنتجات المستوردة، وذلك بالتنسيق مع وزارتي الصناعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، مشيراً إلى أن المركز على علم بوجود بطاريات مصنّعة بطرق مخالفة للمواصفات وعائدة لورش غير مرخّصة في الأسواق، ولكن تطبيق الرقابة عليها قد يستغرق وقتاً طويلاً وخاصة في ظل تعدد مصادر البطاريات الموجودة في الأسواق، على عكس البطاريات المستوردة التي تم البدء بتطبيق آلية وضع اللصاقات عليها منذ بداية الشهر الحالي، حيث يعد ضبطها أسهل لكون المنافذ الحدودية التي تدخل منها معروفة.
واعتبر علي أن وضع لصاقة عائدة للمركز على البطاريات المحلية الصنع سيقضي على كل الورش غير المرخصة من وزارة الصناعة، وذلك من خلال جولات تقوم بها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تخالف فيها كل المنتجات المخالفة التي لا تحمل هذه اللصاقة.
دخلاء على المهنة
وفي السياق ذاته، أكد خبير الطاقة البديلة ومستورد البطاريات توفيق خرفان في تصريح لـ«الوطن» أن أغلبية الأشخاص الذين يعملون في مهنة تصنيع البطاريات في ورش القطاع الخاص هم دخلاء على المهنة وغير مختصين، مشيراً إلى أن الكثير من هذه الورش تضم أطفالاً يعملون بتصنيعها بشكل يدوي بناء على توجيهات المشرفين عليهم من أصحاب الورش، علماً أنها تضم مواد كيميائية سامة كالرصاص مثلاً، مؤكداً أن هذه الصناعة يجب أن تكون خاضعة لقواعد ومواصفات عالمية، فأي حدث طارئ على بيئة التصنيع من حرارة أو رطوبة سيؤثر في الجودة.
خطر انفجار البطاريات
وأردف إن «منتجات هذه الورشات غير متطابقة، فنجد أن بطاريات الورشة الواحدة يختلف بعضها عن بعضها الآخر لعدم وجود معايير موحّدة في التصنيع، ما قد ينعكس بشكل خطير على الأشخاص بسبب احتمالية انفجارها، أو تعطّلها قبل انتهاء عمرها»، موضحاً أن الحل هو ضبط الورش غير المرخصة وخاصة الموجودة في المناطق العشوائية، وتسجيل كل المعامل وعدم السماح للأشخاص غير المؤهلين بافتتاح ورشة إلا بوجود شخص كيميائي ومختص.
قليلة ومختلفة الاستخدام
وحول جودة البطاريات التي ينتجها المعمل الحكومي في حلب، أشار إلى أن هذه البطاريات تسمى بطاريات الإقلاع التي تستخدم في الشاحنات والسيارات، وهي غير مخصصة لتخزين الطاقات المتجددة، على عكس البطاريات المستوردة وهي بطاريات التفريغ العميق التي يمكن الاستفادة منها في المنزل لأوقات طويلة، مشيراً إلى أن منتجات المعمل قليلة جداً في الأسواق ولا تكاد توجد.
إجراءات تنظيمية رفعت الأسعار
ومن ناحية أخرى، يرى خرفان أن أسعار البطاريات تتأثر بعدة عوامل منها الظروف الاقتصادية العالمية التي تدهورت خلال العامين الأخيرين بسبب انتشار فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي انعكس على أسعار المواد الأولية والمعادن والرصاص، مشيراً إلى أن أثر هذه الأزمات يطول ولا ينتهي بانتهاء مسبباتها، فمثلاً البطاريات والمواد الأولية التي تم استيرادها خلال أزمة كورونا ما زال الكثير منها موجوداً في الأسواق ويباع بسعر مرتفع، مضيفاً: «كما يتأثر سعر هذه المنتجات بتكلفة الاستيراد حيث تصل تكلفة الحاوية الواحدة اليوم القادمة من الصين مثلاً إلى 9000 دولار بعد أن كانت 4000 دولار في فترة الاستقرار الاقتصادي».
أما داخلياً، فقد أدت القوانين والإجراءات التنظيمية التي فرضتها الحكومة على عمليات البيع والشراء وتحويل الأموال ووصول البضاعة، إلى زيادة التكاليف على بعض التجار الذين كانوا يقومون بالكثير من التجاوزات بغية تخفيض التكاليف على أنفسهم، ما أثر بشكل مباشر في الأسعار، ومن الناحية الفنية فقد أدى قرار فرض وضع لصاقة عن طريق مخبرين تابعين للقطاع الخاص إلى زيادة الأسعار، حيث يصل سعر بعض اللصاقات إلى 40 ألف ليرة وهي تكاليف ملموسة يتم تحميلها على سعر البضاعة.
ويرى خرفان أن هذه اللصاقات جيدة بالطبع لأنها تصب في مصلحة المواطن، ولكنها يجب أن تكون جزءاً من عمل وزارة الكهرباء وأن يكون أثرها بسيطاً على السعر، باعتبار أن الغاية منها هي إيصال مادة جيّدة للمواطن، وخاصة أن هذه الآلية متبعة من ناحية الاستيراد منذ نحو عام ونصف العام، حيث إن دوريات الجمارك كانت تمتنع عن إدخال أي بضاعة من دون الحصول على وثيقة من مركز بحوث الطاقة تؤكد أن هذه المواد مطابقة للمواصفات، لذا كان الاختبار يتم بكلف مهملة.