أثار ربط مشافي حلب الخاصة إلكترونياً بوزارة المالية للتحقق من فواتيرها واعتماد الضرائب المترتبة عليها لغطاً كبيراً لدى مديري المشافي، الذين تساءلوا عن العديد من الثغرات التي لا يملكون الإجابة عنها.
وطالب بعضهم بتأجيل تطبيق الآلية الجديدة مراعاة لظرف حلب الخاص كمدينة خارجة من أتون حرب مدمرة، وإلى حين اتضاح الرؤية بشكل أفضل.
وكانت الهيئة العامة للضرائب والرسوم، التابعة لوزارة المالية، أصدرت في 24 الشهر الماضي القرار رقم 616/ق.م، القاضي بإلزام مشافي حلب الخاصة لدى مديرية مالية محافظة حلب باستخدام آلية التحقق الإلكتروني للفواتير الصادرة لتحديد رقم عملهم، بحيث يتم اعتماد رمز الاستجابة السريعة Qr على كل فاتورة صادرة، والربط مع قاعدة البيانات المركزية للإدارة الضريبية.
ومنح القرار المكلفين، الذين يترتب عليهم استخدام أحد البرامج المحاسبية المعتمدة لدى الإدارة الضريبية بمسك السجلات وإصدار الفواتير بشكل إلكتروني، مدة 30 يوماً من اليوم الذي يلي تاريخ التبليغ لتنفيذ مضمون القرار، بما فيها مرحلة الاختبار والتدقيق.
واستأثر الربط الإلكتروني للمشافي الخاصة بالحصة الأوفر من مداولات أصحابها، لدى حضورهم الاجتماع الذي دعت إليه «جمعية المشافي الخاصة بحلب» في ندوة الشهباء الجديدة وحضرته «الوطن».
وأكد العديد منهم عدم وضوح رؤيا تطبيق الآلية الجديدة لديهم، لجهة إمكانية تضمينها أرقام التكاليف والنثريات التي تتحملها المشافي، والتي يسمح بإدخالها في البرامج المحاسبية الخاصة المعتمدة في كل مشفى، على اعتبار الكثير من النفقات لا يمكن الحصول على فواتير نظامية لها، بغية تحديد حجم العمل الحقيقي والضريبة الواجبة عليهم، بحيث تتحقق العدالة الضريبية في العملية، التي هي الأولى من نوعها.
رئيس جمعية المشافي الخاصة الدكتور عرفان جعلوك أوضح في الاجتماع أن الهدف من مسعى وزارة المالية هو معرفة «معلومات دقيقة عن دخل المشافي وهو أمر مبرر حيث جرت العادة أن يقدم كل مشفى وعبر محاسب قانوني موازنة توضح الأرباح الحقيقية، لكن المالية للأسف لا تتقيد بالأرقام الواردة في الموازنة، وهي أجرت (جولات تفتيشية) على بعض المشافي الكبيرة لتقدير حجم عملها، حيث كانت تضم حلب نحو 15 مشفى كبيراً من أصل 105 مشاف، والباقي صغيرة، بخلاف العاصمة دمشق».
وشدد جعلوك على أن الجمعية مع الربط الإلكتروني بوزارة المالية ومع فتح أوراق المشافي لها «وهذا سيوضح لها أن مشافي حلب ليس لديها الدخل الهائل الذي تتوقعه، وخصوصاً في الأزمة التي رفعت مصاريفنا وخفضت دخولنا، لأننا كنا نعتمد على طبقة غنية غادرت البلد وطبقة متوسطة ذابت وتلاشت».
ولفت إلى أن مشافي حلب خسرت محيطها الطبي الحيوي «الذي كانت حلب تخدمه اقتصادياً وطبياً، ولم يعد يعالج عندنا، كما في منبج وإعزاز وعفرين وإدلب ودير الزور والرقة والحسكة، عدا ارتفاع أسعار النقل، ما أدى إلى تشغيل معظم المشافي بنصف أو ربع طاقتها الكلية».
وأردف: «لدينا بعض الإشكاليات في الربط الإلكتروني، والمهم أن نوضح قضايا أساسية، في مقدمتها معرفة أن دخل المشفى، يأتي من مصدرين رئيسيين هما غرفة العمليات التي نؤجرها للطبيب وغرفة الإقامة أو السرير، وهناك دخول إضافية ثانوية مثل الأشعة والمخبر والصيدلية والندوة والعيادات الخارجية في بعض المشافي التي تحوي هذه المرافق».
وأشار إلى أن مديرية مالية حلب لا تملك حتى الآن إيضاحات لكل تساؤلاتنا، وان هناك ضرورة لتوحيد رؤيتنا في موضوعات معينة لمساعدتها في الصياغة والتوجه بما يتناسب مع المصلحة العامة.
وأشار إلى أن أصحاب المشافي الخاصة نوعان أطباء ومستثمرون، وبالتالي «فالعمليات التي تتم في المشفى، إما لزملاء استقدموا مريضهم معهم أو لطبيب في المشفى، وفي كل الأحوال، الصنف الأول الذي يشكل النسبة الأكبر من العمليات، لا نقبض عنه أي مبلغ سوى أجرة غرفة العمليات والإقامة، ولا يمكن تسجيل أجوره في دخل المشفى، وكذلك الأمر بالنسبة لطبيبي التخدير والإشراف، وبما يساهم في تصغير الشريحة الضريبية والكتلة الرئيسية لرقم الدخل وعدم الدخول في مسألة التصاعدية، وصولاً إلى الدخل الحقيقي الذي يستلزم إجراء عقد نظامي ومسجل مع طبيب التخدير واعتباره وحدة مستقلة أو مستثمراً لوحدة الأشعة في المشفى لا علاقة لدخله بنا، أو الاتفاق على مبلغ شهري مقطوع معه، وكذلك الأمر بما يخص المخبر والندوة، حيث يترتب عليهما دفع ضرائب الدخل بدل تحميلها المشفى الذي لا يتقاضى أرباحهما الحقيقية».
وانتقد المجتمعون تقاضي المالية ضريبة غير معقولة ومبالغ جداً بها عن الأعوام الثلاثة الماضية لا تتناسب مع الواقع وأن الشرائح الخاصة بالضرائب لم تعدل بما يتناسب والتضخم الحاصل وبالتالي فإن نسبة الضريبة على الأرباح هي بالحد الأقصى 30 بالمئة منها مقارنة بـ2.5 بالمئة للمطاعم، وكذلك الضرائب عن الأعوام الثلاث السابقة التي يتوقع أن تكون فلكية ومرعبة لا توافق الأرباح الحقيقية التي يفترض أن تلحظها بشكل جيد الآلية الجديدة للربط الإلكتروني، والتي اعتمدت وستدخل حيز التطبيق قريباً.
واقترح بعضهم اقتناء برامج محاسبية رخيصة وبسيطة ومجربة وتفي بالغرض، إلى جانب كونها معتمدة، إذ يتراوح سعر النسخة الواحدة منها بين 450 ألفاً ومليون ونصف مليون ليرة سورية، ولها وكلاء معتمدون في حلب مستعدون لإجراء دورة على البرنامج المطلوب لأصحاب ومديري المشافي أو محاسبيهم أو وموظفيهم الموكل إليهم إدخال البيانات فيها.
وتساءل بعضهم عن إمكانية إدخال خدمات يتحملها المشفى في البرنامج المحاسبي وغير موجودة فيه وتستنزف أرباح المشافي، مثل أجور العمال والصيانة ومواد استجرت من السوق السوداء كالمازوت وأدوية التخدير ومستهلكات طبية، بصفتها مصاريف لا تنظم فيها فواتير ولا يمكن إبلاغ المالية عن مصادر بعضها للتأكد منها عن قيمتها بسبب مخالفاتها الجسيمة المرتكبة للقانون من قبل المصادر.
وتركزت مداخلات حول حاجة المشافي الخاصة لمخصصاتها من مادة المازوت الذي هو عصب تشغيل مشافيهم التي يتكبد بعضها خسائر، حيث يضطر أصحابها لشراء الليتر لمولداتهم بسعر يتراوح بين 5000 إلى 6000 ليرة سورية من السوق السوداء، وذلك منذ أكثر من شهر مع أزمة شح المحروقات في السوق. علماً أن «سادكوب» تعطي بضعة آلاف ليتر فقط يوميا لحصة 50 مشفى بحلب، علماً أن مازوت السوق السوداء يتسبب بأعطال المولدات، وحدث هذا منذ مدة أثناء عملية قلب مفتوح كادت تودي بحياة المريض.
وبرز بين المداخلات ما قاله أحد أصحاب المشافي، الذي لم يمانع بالموافقة على الربط الإلكتروني لكنه بين أنه تم البدء بالعملية من دمشق «التي لها وضع خاص، إن كان بحجم العمل أو عدد السكان وإشغال المشافي ومقدرة مشافيها على تأمين المازوت الحر، إضافة إلى امتلاك العاصمة للسياحة الطبية، ونحن في حلب نعاني أكثر من كل المحافظات من ناحية العمل والمصاريف وإغلاق المدينة عن جوارها»، وتساءل: «لماذا لم تطبق الآلية على حماة وحمص قبل حلب، صحيح أن حلب المدينة الثانية بعد دمشق في القطر لكن وضعنا سيئ»؟، وأقترح توجيه كتاب للمعنيين بتأجيل تطبيق الآلية الجديدة».
وخلص المجتمعون إلى أن تحديد دخولهم بهذه الآلية أفضل بكثير من تقديرات «المالية» العشوائية والكبيرة لأرباحهم التي لا تتوافق مع واقع وحجم أعمالهم، وخصوصاً للمشافي الصغيرة والشعبية، لكن يجب الإجابة عن تساؤلاتهم وهواجسهم من وزارة المالية، ولو عن طريق إقامة ندوات في حلب بهذا الخصوص، قبل فرض الربط الإلكتروني معها.
الوطن