نعم، ماذا لو رفع المتضررون دعاوى قضائية على وزارة الكهرباء لتسسببها بتخريب أجهزتهم الكهربائية (برادات ـ شاشات ـ غسالات ـ الخ..)، أو قام أصحاب المولات ومحال الأغذية ومستودعاتها بإقامة دعاوى مماثلة على الوزارة لتسببها بخسارتهم عشرات الملايين بفعل تلف كميات كبيرة من اللحوم، والأ لبان، والأجبان، والحليب، والزبدة ..الخ؟
الأمر ليس مستبعدا، وربما ينتظر المتضررون من يبادر أولا، لتتوالى بعدها آلاف الدعاوى القضائية ضد وزارة الكهرباء بالتضامن والتشارك مع وزارة النفط بالتعويض عن خسائر المواطنين وأصحاب الفعاليات التجارية والصناعية والخدمية!
ونشدد هنا على أن رفع دعوى قضائية ضد مؤسسة حكومية تتسبب بضرر الآخرين ليس جديدا، فلدينا سوابق ناجحة جدا ربح فيها المتضررون لأنهم أصحاب حقٍ بيّن!
قلة تتذكر اليوم قيام محافظ سابق لحمص برفع دعوى قضائية ضد الشركة العامة للأسمدة لتسبب سمومها وأبخرتها، ونواتج مياهها الملوثة بأمراض خبيثة لآلاف المواطنين، وبخسائر جسيمة لأصحاب الأراضي الزراعية!
وقد فتح المحافظ حينها الباب واسعا أمام المتضررين، فأقام عشرات الفلاحين 26 دعوة قضائية على شركة الأسمدة خلال سنوات (2003 ـ 2009)، وكسبوها، وقد ألزم القضاء إدارة الشركة في نهاية عام 2009 بدفع 19 مليون ليرة للمتضررين.
ولم تجد إدارة الشركة حينها من مهرب يٌنقذها من الدعاوى المتتالية سوى الإستنجاد بوزير الصناعة للتوسط لدى وزير العدل للضعط على القضاء كي لايحكم لصالح المتضررين!!
والملفت في قضية التلوث “القاتل” الناجم عن عدة منشأت خاصة وعامة، قيام مديرية بيئة حمص، وهي مؤسسة حكومية، بتحريك دعاوى قضائية في عام 2006 ضد الشركة العامة للأسمدة ومصفاة حمص، وبعض المنشآت الصناعية الخاصة المخالفة لقانون البيئة رقم /50/ لعام 2002.
كما يُمكن للقطاع الصناعي الخاص أن يقاضي وزارة النفط لعدم تأمين مادة المازوت، مما تسبب بتوقف منشآتهم عن الإنتاج كليا أوجزئيا، وبالنسبة للشركات العامة فبإمكانها تحريك دعاوى قضائية ضد وزارة الكهرباء في حال حصولها على موافقة شفوية من وزير الصناعة!
ولا نبالغ إذا قلنا إن أكبر المتضررين هم ربات المنازال اللواتي صرفن عشرات آلاف الليرات لـ “تفريز” المؤونة السنوية، ليتلفوها بسبب انقطاع الكهرباء لأكثر من 24 ساعة، كما أن الكثير من الأسر وخاصة في الضواحي والأرياف خسرت جهازا كهربائيا واحدا على الأقل بسبب فوضى التوتر، ولم يعد باستطاعتها تأمين البديل لأن ثمنه بالملايين، فمن سيعوضها إلا وزارة الكهرباء ومن خلال دعوى قضائية فقط!!
ومعظم المزارعين في ريفي اللاذقية وطرطوس، يعانون في الأسابيع الأخيرة من العجز بإرواء الأراضي والمحاصيل بل أن اليباس زحف على مساحات كبيرة منها بفعل الجفاف لعدم فتح دورات ري جديدة وعدم قدرتهم على شراء المازوت الحر من السوق السوداء لعدم توفيره “مدعوماً” لضخ المياه من الآبار القريبة.. فمن سيعوضهم سوى القضاء؟
قد تكون ثقافة التقاضي ضعيفة أومعدومة،ولكن ماذا عن التنظيم الفلاح؟
بمقدور اتحاد الفلاحين “التلويح” أمام وزارة النفط بمقاضاتها إن لم تؤمن المازوت المدعوم للفلاحين .. فلماذا لم يفعلها حتى الآن؟
لقد تسبب التعتيم الأخير في حزيران الماضي بخسائر كبيرة لمحلات الأغذية التي تحتاج إلى تبريد تقدر بمئات الملايين، تساءل أصحابها حينها: هل ستعوض الحكومة ولوجزءا من خسائرنا؟
ومع أن “التعتيم” أخرج صغار الحرفيين برؤوس أموالهم الصغيرة من السوق لعدم قدرتهم التعويض عن الخسارة، فإن مامن جهة حكومية أوخاصة اهتمت بمصيرهم، ولم يرفع أيا منهم دعوى قضائية كما فعل المتضررون من شركة الأسمدة، ربما لنقص في الخبرة أو لتهيب من مقاضاة مؤسسة حكومية!
علي عبود ـ خاص شبكة غلوبال الإعلامية