رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف (الدولار) مقابل الليرة السورية 7 بالمئة ليصبح 3015 ليرة بدلاً من 2814 ليرة وهو ما أثار جملة من الآراء المتباينة بين من أيد صوابية القرار ومن شكك في سلامة الإجراء وتوقيته وأثره في أسعار السلع في السوق المحلية.
ففي كلية الاقتصاد بجامعة دمشق اعتبر الدكتور أيمن ديوب أن تحريك المصرف المركزي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية ببطء لمصلحة الاقتراب نحو سعر السوق الموازية هو قرار صحيح ويخدم خفض الهوة والهامش بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية وبالتالي هو جزء من الوصول لسعر صرف واحد والتخلص من تعدد أسعار الصرف في السوق المحلية الذي يربك العملية الاقتصادية في البلد.
وتوقع ألا يسهم هذا التحريك لسعر الصرف في نشرة المركزي بأي رفع لسعر صرف الدولار في السوق الموازية لأن عناصر العرض والطلب لم تتغير وحدوث تحرك بطيء لن يكون ذا أثر مهم في سعر الصرف بالسوق الموازية.
وتوقع أيضاً أن يكون أثر القرار على أسعار السلع في السوق غير ملحوظ لأن معدل التغير في سعر الصرف بسيط وهناك العديد من البرامج التي تنفذها الحكومة عبر تمويل بعض المستوردات ودعم أسعار الفائدة وسياسة التدخل الإيجابي في السوق كلها تسهم في التخفيف من أثر ذلك على السوق.
وهو ما يتطابق مع التوضيح الذي نشرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على حسابها على الفيس بوك بأن نشرة الأسعار التي أصدرها مصرف سورية المركزي لا تؤثر إلا بالمواد التي يتم تمويلها من قبل مصرف سورية المركزي وهي حصراً القمح والأدوية النوعية وحليب الأطفال ولا تؤثر إلا على مستوردات مؤسسات الدولة من هذه المواد.
وبالتالي فإن رفع أسعار أيّ مادة أو منتج غذائي أو غير غذائي غير مبرر ويعرض من يرفع سعره إلى العقوبات المنصوص عليها في المرسوم التشريعي رقم 8 للعام 2021 وغراماتها والحبس لمدة تصل إلى سبع سنوات وطلبت من جميع من رفع سعره إعادته لما كان عليه.
لكن آراء في غرفة التجارة وجمعية حماية المستهلك اختلفت نسبياً مع الدكتور ديوب وبيان التجارة الداخلية، حيث اعتبر أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزه أن إجراء المركزي في تعديل سعر الصرف الذي يصدر عن النشرة الرسمية (للمركزي) لم يكن في محله نظراً للظروف العامة وتدهور القدرة الشرائية لدى المستهلكين وعدم تحمل المستهلك أي قفزات جديدة في الأسعار خاصة أن الكثير من الباعة والتجار جاهزون لاستغلال مثل هذا الإجراء ويعتبرونه شماعة لرفع أسعار سلعهم في السوق وتحقيق أرباح إضافية خاصة أن الكثير من الباعة بات يسيطر عليهم الطمع وشعارهم في تحقيق أرباح إضافية (هل من مزيد) دون النظر لقدرة المستهلك وحاله المتدهور معاشياً.
وحول بيان وزارة التجارة الداخلية اعتبر أن قدرات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لا تتوازى مع حجم وعدد الفعاليات في السوق خاصة مع محدودية عدد المراقبين لدى دوائر حماية المستهلك وعدم كفاية تطبيق القانون 8 بردع المخالفات في السوق خاصة لجهة ارتفاع حالات الغش بنوعية السلع والذي يظهر واضحاً في تراجع سلامة الكثير من المواد الغذائية المعروضة في السوق.
بينما في غرفة تجارة دمشق اعتبر محمد الحلاق أن أي زيادة في التكاليف سيوازيه زيادة في الأسعار وفي إجراء المركزي بتعديل سعر الصرف سيكون هناك ارتفاع في قيم الرسوم الجمركية لكنه أشار إلى أن الزيادة في الأسعار لا يجوز أن تكون 7 بالمئة أي موازية لرفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في النشرة الرسمية لأن قيم الرسوم الجمركية لا تتعدى 30 بالمئة من قيم السلع المستوردة وهي تتراوح بين 5-30 بالمئة حسب نوع السلعة ومثال على ذلك تقترب قيم الرسوم الجمركية في المواد الغذائية من 15 بالمئة.
ومثال على ذلك تشكل قيم الرسوم الجمركية في مادة (الشاي) 14 بالمئة وبالتالي يقدر معدل الزيادة التي ستطرأ على كلفة الاستيراد لهذه المادة بـ 2 بالمئة.
وعن الطلب من التجار والباعة عدم رفع الأسعار بين أن المسألة ليست عاطفية وإنما يضبطها كلفة المنتج ومعظم الباعة يسعون لتعظيم أرباحهم لكن الأمر لا يعود لرغبتهم بذلك لأن هناك العديد من المحددات تضبط ذلك مثل العرض والطلب في السوق والمنافسة والأهم ضعف القدرة الشرائية لدى معظم المستهلكين وهو ما يظهر من خلال تبدل سلوك التسوق والشراء لدى الكثير من المستهلكين من خلال التحول للشراء حسب الحاجة اليومية (كل يوم بيومه) مثال الكثير تحول من شراء مادة السكر بالكيلو إلى شراء السكر بالوقية أو النصف كيلو وهي كلها دلالات على تراجع القدرة الشرائية وبالتالي انخفاض حجم مبيع وتداول السلع في السوق المحلية وهو ما لا يسمح بمنح الباعة مساحة لرفع أسعارهم تبعاً لأهوائهم.
و علق الحلاق على إجراء المركزي لتخفيض الهوة بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق الموازية أنه كان من الأجدى أن يعمل المركزي على خفض سعر الصرف في السوق الموازية وليس رفعه في النشرة الرسمية.
بينما يرى الباحث الاقتصادي الدكتور علي محمد أن قرار تخفيض سعر صرف الليرة أمام الدولار للحوالات لتصبح 3000 ليرة سورية جاء لسببين:
الأول: هو تسلسل يقوم به مجلس النقد والتسليف لتقريب الهامش بين السعر الرسمي والأسود، حيث نلاحظ أنه تم تخفيض سعر الصرف بتاريخ 15/04/2021 من 1256 إلى 2512، ثم بتاريخ 13/04/2022 من 2512 إلى 2814، والآن 19/09/2022 إلى 3015.
الثاني: انخفاض سعر الصرف في الشهر الماضي.
إن رفع سعر صرف الحوالات يعتبر محاولة لزيادة استقطاب الحوالات الخارجية للبلد، مع العلم بعدم وجود تقدير رسمي وصحيح لحجم الحوالات سواء من المصرف المركزي أم من شركات الصرافة، حيث تقول بعض التقديرات إن الوسطي على مدار العام نحو 7 ملايين دولار يومياً.
أما عن تأثير هذا القرار في الاقتصاد السوري، فيجب العلم بأن أي دولة تسعى لزيادة مداخيلها بالقطع الأجنبي وتعزيز الاحتياطي لديها، والحوالات تعد من أسباب تعزيز الاحتياطي بلا شك، ولكن هذا يتطلب ضخاً مقابلاً بالليرات السورية في السوق، وهذا يعني بلغة الاقتصاد زيادة في العرض النقدي، إلا أن الهدف المتوقع الآن هو زيادة المداخيل بالقطع بغض النظر عن بعض التأثيرات الأخرى التي في الوقت نفسه يتوجب دراستها وبالأخص دراسة حاجة السوق المحلية من العرض النقدي بحيث يتم التوازن بين العرض النقدي والسلعي، حيث إن إجمالي مبلغ الحوالات الواردة قد يبلغ 2.5 مليار دولار سنوياً، وهذا بحد ذاته يعادل 57 بالمئة من قيمة مستوردات سورية للعام 2021 البالغة 4 مليارات يورو.
وإن تخفيض السعر اليوم بواقع 201 ليرة، يشكل تخفيضاً بنسبة 7 بالمئة، وبالتالي أعتقد أنه لن يكون مؤثراً بشكل ملموس سوى في ميزانيات الشركات والمؤسسات المالية، وإن توحيد أو تقريب السعر الرسمي لصرف الليرة من سعره في السوق الموازي هو خطوة إيجابية لناحية توحيد الأسعار وإغلاق باب المتاجرة بالقطع أو المضاربة، شريطة تعزيز قدرة المركزي في ضبط إيقاع السوق وعدم السماح للسعر في الموازي بالتدهور مجدداً، كما يلاحظ أن التركيز يكون لردم الهوة من خلال رفع السعر الرسمي، وليس تقليص السعر الموازي والذي يتطلب تقليصه زيادة في الإنتاج ودفعاً للاقتصاد كله.
أما عن بعض سلبيات تخفيض سعر صرف الليرة فاعتبر محمد أنها تكمن في صدور النشرة الخاصة بالجمارك والطيران والتي عادة تعدل مع أي تغيير في سعر صرف الليرة ضمن نشرة وسطي نشرة المصارف ونشرة سعر صرف الحوالات، فهذا يعني ارتفاعاً في قيمة (قيمة وليست نسبة) الرسوم الجمركية التي تدفع على المستوردات بنحو 7 بالمئة، ما قد يعني ارتفاعاً نوعاً ما في أسعار السلع المستوردة في السوق المحلية لكون المستورد سيرفع قيمة بضائعه لتغطية الارتفاع الحاصل في قيمة الرسوم الجمركية، وهذا الاحتمال يبقى مجرد توقع إن لم يخالفه قرار ما بتخفيض نسبة الرسوم الجمركية مثلاً أو إبقائها على حالها وفي حال تعديل نشرة الجمارك والطيران، فذلك يعني أيضاً ارتفاعاً في أسعار تذاكر الطيران وفقاً للسعر الجديد.
الوطن