كشفت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين السوريين الأسباب والمحددات الأساسية التي تؤثر على سعر صرف الدولار في سوريا، والتي أهمها المضاربات، والطلب على القطع الأجنبي وعوامل مختلفة سنعددها في هذا التقرير.
شهد سعر صرف الدولار في سوريا اليوم الثلاثاء انخفاضا ملحوظا حيث وصل إلى 622 ليرة مقابل الدولار الواحد بعد أن كان 690 منذ يومين، فما هي العوامل التي تحدد أسعار الصرف في سوريا.
عقدت الحكومة السورية أمس الثلاثاء اجتماعا استثنائياً للجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء مخصصا لاتخاذ إجراءات سريعة لمعالجة واقع ارتفاع الأسعار.
وبعد أن وصل سعر الصرف إلى 690 ليرة مساء الأحد أمس الأول، أطلقت فعاليات اقتصادية سورية خاصة منها شركات صرافة محلية حملة لمحاربة الدولار ومقاطعته، مما أدى إلى هبوطه يوم أمس الإثنين إلى 650 أي بنسبة 6% خلال يوم واحد، ثم واصل اليوم الثلاثاء هبوطه، وجاءت الحملة بدعم من كبرى شركات الصرافة والتجار، وأفادت أنباء بانتهاء أزمة القطع الأجنبي.
وشرح عدد من الخبراء المحددات التي تلعب دورا في تحديد سعر صرف الدولار في سوريا، والتي أولها المضاربات، والتلاعب بإجازات الاستيراد من قبل التجار الذين يبيعون دولار المركزي بدلا من الاستيراد به، والفساد النقدي والصفقات التي تولد مبالغ يتم شراء دولار بها، وعوامل الاستثمار الأجنبي المباشر، معدل النمو الاقتصادي، العرض النقدي، الإنفاق الحكومي، الانفتاح التجاري، سعر الفائدة الحقيقي، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية، والفساد النقدي.
وقال الدكتور شادي أحمد لوكالة “سبوتنيك” أن هناك العديد من الأسباب التي تؤثر على سعر الصرف في سوريا، وأضاف “بالأصل عالميا يتحدد سعر الصرف خلال عدة طرق، منها أن يتم التوازن بين العرض والطلب عند سعر معين، أو أن يكون هناك قرار إداري في تحديد السعر عند رقم معين”، وفي سوريا ونتيجة الحرب والمشكلات الاقتصادية فهناك عدة عوامل:
“العامل الأول: السعر الذي يحدده المصرف المركزي، وهو السعر الثابت، وثانيا، المضاربات، وهي تشكل عامل قوي، تقريبا يوازي العامل الأول، وتهدف هذه المضاربات إلى جني أرباح ريعية غير اقتصادية.
المسألة الثالثة، وهي إجازات الاستيراد، فكلما زادت هذه الإجازات، يزيد الطلب على الدولار بشكل كبير، وللأسف هناك بعض التجار يلعبون على مسألة إجازة الاستيراد، عندما يفتحون إجازة لمدة سنة مثلا، ويحصلون على تمويل بالدولار بالسعر الأدنى، وينتظرون لحين ارتفاعه ويبيعونه ولا يقوم بتنفيذ هذه الإجازة.
المسألة الرابعة، تتعلق بالضغط السياسي والاقتصادي على سوريا من أجل فرض إملاءات سياسية، وهذا ما تكلم به بالأمس معاون وزير الخارجية الأمريكي من تركيا عندما قال “بأننا نشن حربا اقتصادية على سوريا لإرغام الحكومة السورية بالبدء بعملية سياسية على حد زعمه.
العامل الخامس، متعلق بنشاط المجموعات الإرهابية، لا سيما بعد المعركة الكبيرة التي تجري في إدلب، فالعديد من قادة المجموعات الإرهابية يحاول الحصول على الدولار بعد أن تيقنوا أن الجيش قادم لتحرير إدلب لا محالة، من أجل أن يهربوا فيها خارج سوريا.
العامل الأخير، وهو حركة الاقتصاد السوري، فكلما زادت الواردات تشكل ارتفاع بسعر الصرف، وعندما يحقق الاقتصاد السوري العودة إلى الانتاج، سيؤدي إلى تحسن سعر الليرة.
بالإضافة إلى تأثير الحوالات المالية، وفاتورة المشتقات النفطية التي تستوردها الحكومة السورية التي تبلغ سنويا حوالي مليارين و700 مليون دولار، وهنا ننوه إلى أن عودة المناطق الشرقية من ميليشيا “قسد” سيؤدي إلى توفير الكثير من فواتير استيراد النفط”.
أما الأستاذ الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين باسم غدير اعتبر أن محددات سعر الصرف في سورية، قبل الأزمة والحرب تختلف عن المحددات التي تؤثر حاليا، وذلك بسبب الخلل الذي أصابها، وقال:
“كانت تتلخص هذه المحددات كما يراها العديد من الباحثين قبل الحرب بثمانية محددات هي (الاستثمار الأجنبي المباشر، معدل النمو الاقتصادي، العرض النقدي، الإنفاق الحكومي، الانفتاح التجاري، سعر الفائدة الحقيقي، شروط التبادل التجاري، و الاستقرار السياسي) وفي ظل الحرب فإنّ معظم هذه المحددات قد أصابها الخلل، وبالتالي انعكس ذلك بشكل كبير على ارتفاع سعر الصرف، وفي فترة الحرب على سورية تأرجح هذا السعر، لنجده قد وصل إلى أعلى نقاط له في الأيام الماضية وأجد أنّ هناك محددات كانت وراء تفاقم سعره في مراحل عدة في الحرب ومنها في الأيام الفائتة مثل الفساد النقدي كما أسميه والمضاربات النقدية ذات الطابع السياسي المحض التي تحاول تقويض أية نتائج إيجابية لحسم المعارك في الشمال السوري وفي إدلب على وجه الخصوص لما له من ثقل سياسي تتجاذبه أطراف عدة في المنطقة”.
وأضاف الدكتور غدير، “طبعاً من المفترض أن يكون هناك انخفاض في سعر الصرف كما تقتضيها المحددات الطبيعية لسعر الصرف مثل إعادة دورة الإنتاج للعديد من مفاصل الدولة التي كانت خارج السيطرة تماما … لكن المفاجئ بالأمر حدوث العكس، ولا يمككننا تجاهل ارتفاع حدّة الحصار والضغط الأمريكي التجاري والمالي على أي نشاط اقتصادي يخص سورية بالتوازي مع أذرع الفساد النقدي الذي أشرت إليه والذي تعمل القوى المناوئة سياسيا وعسكريا لسورية على تقويته ودعمه للحدود القصوى”.
وختم الدكتور غدير “أخيراً إنّ الاستقرار السياسي في هذه المرحلة هو أهم المحددات على الإطلاق لأنه الوحيد القادر على لجم أذرع الفساد النقدي الداخلية منها والخارجية، الداخلية التي تعطي فسحة أكبر للهدوء لرأس المال الجبان كما نسميه وتفتح له ثغرات استثمارية أخرى غير المقامرة بسعر الصرف ! مع كل انحسار للحصارالاقتصادي الخانق، وكذلك لجم الأذرع الخارجية التي تلقائيا سينكمش دورها مع كل تسوية سياسية جديدة”.
من ناحيته قال الدكتور عابد فضلية رئيس هيئة الأوراق المالية في سوريا، أوضح في تعليقه لوكالة “سبوتنيك” أن المصرف المركزي يحدد السعر الرسمي بموجب عوامل اقتصادية ومالية ونقدية وسياسية لا يعرف كيفية تقديرها الا القائمين على إدارته، بالإضافة إلى عوامل العرض والطلب واحتياجات الدولة من المستوردات التي يقدرها أو يعرفها المركزي.
وأضاف “أما سعر الدولار بالسوق السوداء فيتحدد (كأي سلعة ) بموجب عوامل العرض والطلب، وهذه بدورها تتحدد بموجب الوضع الاقتصادي العام والوضع العسكري والأمني والمناخ السياسي والتوقعات الاستثمارية والأمنية المستقبلية، إضافة إلى عوامل أخرى منها نفسية كعوامل الخوف أو التفاؤل بالمستقبل القريب وبسلوك القطيع حيث الشخص يقلد الآخر وكذلك بعوامل لها علاقة باحتكار القطع والتحكم بتجارته وثقافة المضاربة والضوابط الرقابية الحكومية تجاه ذلك.
وأردف الدكتور فضلية، “ومن العوامل الأخرى المؤثرة بسعر الدولار الاحتياجات الطارئة أو غير الدورية للقطع (المشروعة وغير المشروعة ) وذلك عندما يحين موعد استيراد سلع معينة بكميات كبيرة أو يحين موعد تسديد استحقاقات الدفع بالقطع أو حتى بعد عقد صفقات ضخمة بالليرة السورية ويقوم البائع بتحويل أموال الصفقة إلى دولار. كلها حالات تهز سوق القطع السورية كون هذه السوق أصلا صغيرة وضيقة ، كما حدث خلال الأسابيع الأخيرة حيث ارتفع سعر الدولار نتيجة طلب شديد عليه ثم وخلال 24 ساعة أمس راح السعر يتراجع بسرعة ويمكن تفسير ذلك بانحسار الطلب أو باكتمال مبلغ الدولار المستهدف شراءه من السوق”.
وختم “من المؤثرات الأخيرة بسعر الصرف بالسوق السوداء ظهور بوادر أزمة قطع في لبنان وإشاعات افلاس هناك وضجيج إعلامي بمخاطر عدم إمكانية سحب ودائع السوريين من المصارف اللبنانية إضافة إلى مخاوف حقيقية من احتمالية تفاقم الأوضاع العسكرية والأمنية في المنطقة وكل ذلك أدى الى التهافت على طلب القطع من جهة وإلى قلة عرضه من جهة أخرى .. وهذا الشح ليس فقط في سورية بل أيضا في كافة دول الجوار”.
سورية الآن – سيوتنيك