شيءٌ ما لا يثير الاستغراب فقط .. بل ويثير الهَبل .. فلم أفهم كيف نشكو من ضيق الحال وسوء المعيشة .. والجوع والفقر – والأحوال بالفعل ضيقة – ولكننا في الوقت نفسه ذهبنا بأيدينا وأرجلنا ودفعنا 144 مليار ليرة ثمناً لاتصالاتنا الخليوية في ستة أشهر .. ! ويا شباب على تعبئة الوحدات فقط دفعنا 91 مليار ليرة عدّاً ونقداً خلال نصف عام فقط .. !
ما هذه الأيام ..؟! وما هذا ..؟ بربكم ما هذا ونحن على أساس عم نموت من الجوع ..؟! سؤال طرحتُهُ في صحيفة ( الأيام ) .. فهل من جواب ..؟ أم نبقى ننوح ونبكي ..؟
فقراء يدفعون 800 مليون ليرة يومياً لشركتين .
علي محمود جديد – جريدة الايام
خلال الأشهر الستة الأولى من هذه السنة (القاسية) دفعنا نحن السوريين 144 مليار ليرة لشركتي الاتصالات سيرياتيل وMTN، أي بمعدل 800 مليون ليرة كل يوم، و33 مليون ليرة كل ساعة.
أي أننا نجري 50 ألف اتصال كل دقيقة، شيءٌ لا يُثيرُ الاستغراب فقط، وإنما يُثيرُ الهبل فعلاً، والذي يُراقب الوضع بإنصاف، يحتار ما الذي يجري بشكل صحيحٍ وصريح بشأن الوضع المعيشي.. فهل كل ما نسمعه من صراخٍ.. وتوصيفٍ لصعوبات الحياة ومآسي العيش، وغلاء الأسعار.. والفقر والجوع.. هو صحيحٌ وفي مكانه..؟!ليست فقط التقارير الدولية.. بل والمحلية الوطنية تتحدث عن فقر السوريين المدقع وتدني مستوى معيشتهم، بل وعن انعدام الأمن الغذائي لملايين عديدة من السوريين، واقتراب انعدامه لملايين أخرى، هل هي بالفعل صحيحة..؟!
الذي لاشكّ فيه أنّ هناك صعوبات حياتيّة ومعيشيّة قائمة، ومن المؤكد أنّ الموجات التضخميّة التي شهدناها جميعاً على مدى سنوات الحرب التسعة، ولامسناها على شكل ارتفاعات غير مسبوقة لأسعار المواد والسلع، تروي الحكايات عن تلك الصعوبات الحياتية والمعيشيّة، ولاسيما في ضوء استقرار الدخل عند محدوديهِ على نحو منخفض. ولكن.. هل يستحق الأمر كل تلك الشكاوى التي تصل إلى حدود الصراخ..؟! وهل حكايات اليأس والإحباط الناجمة عن ضيق الحال والأحوال هي في مكانها، وتُعبّر عن حقيقة ما نحن عليه..؟! أم أنّ هناك مبالغاتٍ ذهبت بعيداً تشطح في عالمٍ خيالي مُتوقّعٍ نبنيه جميعاً على احتمالاتٍ ومخاوف تقضُّ مضاجعنا..؟!
إن كنّا نحن اليوم كسوريين نعاني بحجم ما نعكسه من آلامٍ وصعوباتٍ وسوءٍ بأحوال عيشتنا ومعيشتنا.. فدعونا نسأل – وعلى بساطٍ أحمدي – جملة من الأسئلة التي حيّرتنا، علّنا نجد مع بعضنا أجوبة مقنعة وكافية عليها.أمام هذه الصعوبات الهائلة التي نسمعها، ونرى جوانب منها، ما الذي يتيحُ لنا كسوريين أن نُنفقَ في نصفِ عام فقط 18 ملياراً من أجل تسديد فواتير الهاتف الخليوي على الخطوط اللاحقة الدفع فقط..؟!
والأنكى من ذلك أيضاً.. ما الذي يضطرّنا كسوريين أن ندفع 35 ملياراً على خطوط الجيل الثالث، (ثري جي يعني).. فليقُلْ لي أحدٌ: ما الذي يضطرنا فعلاً لدفع هذه المليارات كلها في ستة أشهرٍ فقط من أجل النفاذ على الانترنت..؟!! فما دمنا غارقين في سوء الحياة والمعيشة التي لا تُطاق.. ما حاجتنا للانترنت..؟! وما الذي نفعله هناك..؟ ما الموسيقى أو السينما التي ستمتعنا؟ وما الخبر الجيد الذي ننتظره؟ وما وصفة “الشيف بوراك” التي سنطبقها في مطابخنا؟ وما الذي سيثير اهتمامنا في حفل توزيع جوائز الأوسكار، أو مبارايات ريال مدريد؟ والأشدّ من هذا وذاك أننا نحن العُراةُ الجوعى.. الفقراء العاطلون عن العمل، والغارقون في بحر من التضخم والأسعار المشتعلة، والمتبهدلون من ضنكِ العيش وقساوته، والذين لم نعد نجد قوت يومنا، ندفع 91 ملياراً عدّاً ونقداً ثمناً ” للوحدات ” التي نُغذّي بها خطوطنا المسبقة الدفع، وهذا كله في النصف الأول من السنة الحالية فقط.. !!
وهكذا يا شباب نكون قد دفعنا 144 ملياراً و199 مليوناً و360 ألفاً و338 ليرة سورية خلال النصف الأول من هذا العام هكذا في الهواء، وبشكلٍ طوعي، دون أن يُلزمنا أحد بدفع ليرة واحدة من هذه المليارات كلها.. !
إذن كيف سيستقيم الأمر على أننا بذاك القدر المُعلن كله من البؤس والفقر وسوء المعيشة، في حين نذهب بأيدينا وأرجلنا لإنفاق هذه المليارات كلها في نصف عام، ونُبدّدها من أجل اتصالاتٍ وأحاديث بعضها مهم وضروري ومجدي، وربما لا بدّ منه، ولكن أنا وأنتم على ثقة بأنّ أغلبها لا طائل منها..؟!!
النتيــــــجة:برأيكم ما هي النتيجة..؟ هل نحن مضطرون لدفع تلك المليارات كلها، فإما أن نموت أو ندفعها..؟! ما يعني أنّنا ملزمون بدفعها على الرغم مما نحن فيه من تعاسةٍ وفقرٍ وجوع وانحدار مخيف لمستوى المعيشة..؟ أم أنّ معيشتنا معقولة ولكن نخشى الاعتراف بذلك.. وأننا بعد تسع سنوات من الحرب نشعر – دون أن ندري – بأنه يجب أن نكون شكّائين وبكّائين.. وقلقين وخائفين..؟! حالةٌ حيّرتني.. ولكن هذه هي الوقائع والأرقام.. إنها حالة مثيرة للاستغراب والهبل فعلاً.. دعونا نقف معها بإنصاف.. ودعونا نقيّمها بهدوء.. فإن فعلنا ماذا تكون النتائج..؟! وإن لم نفعل فتعالوا ننوحُ ونبكي..!!