الدكتور عامر خربوطلي – مدير عام غرفة تجارة دمشق .
حديث الساعة سعر الصرف وتداعيات تراجع سعر العملة المحلية تجاه الدولار في أكبر انخفاض تشهده الليرة السورية في تاريخها.
ورغم ذلك كله هل ما حدث ويحدث أمر عادي أو طبيعي ويعكس حالة الاقتصاد السوري لاشك أن الجواب يأتي بالنفي، فجميع التقارير والدراسات تشير إلى حدوث تحسن واضح في الاقتصاد السوري وبخاصة في شقه الإنتاجي وحدوث معدلات نمو حقيقية جيدة وارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بسنوات الأزمة السابقة.
إذا ما الذي يحدث؟ ولماذا هذا التراجع لقيمة الليرة السورية في وقت قصير نسبياً؟ وهل يعكس السعر الحالي وضع الاقتصاد السوري وحالة العرض والطلب الحقيقي؟ وهل هذا التراجع حقيقي أم وهمي؟ وما هي أسباب هذا التراجع وما هي التوقعات المستقبلية؟.
في الواقع أن الأمور تبدو غير واضحة ولكنها مع ذلك تترك إجابات مفتوحة نحو الارتفاع أو الهبوط المستقبلي فكل الخيارات تبدو قابلة للتحقق مادامت الأسباب حتى الآن غير مبررة من ناحية علم الاقتصاد وتوازناته الكلية وبخاصة فيما يتعلق بالاقتصاد النقدي.
إذا هو عالم المضاربة والتحوط والاكتناز لأسباب عديدة منها ما هو مبرر للحفاظ على القيمة الشرائية وآخر ليس له ما يبرره سوى تخريب الاقتصاد السوري بقصد أو بغير قصد.
عندما يتحول الدولار لمخزن للقيمة وهدفاً للاستثمار بحد ذاته ومحطاً للاكتناز أو التحوط من التضخم في ظل تراجع قيمة العملة المحلية بدلاً من أن يكون هذا الدولار كما هو في مختلف دول العالم وسيلة وأداة لتسديد المدفوعات الخارجية طالما أن العملة السورية غير قابلة للتحويل في السوق العالمية في هذه الحالة فقط وفي ظل ضعف أو غياب قنوات توظيف فوائض الأموال في أوجه استثمارية مختلفة كسوق الأسهم أو المشاريع الإنتاجية والخدمية ذات المردود السريع، عندها لن يبقى أمام الأشخاص سوى المضاربة بالدولار والذهب كوسيلة لتحقيق أرباح سريعة مع توافر ميزة السيولة بعكس الاستثمار في العقارات أو الأراضي.
إن البحث عن أسباب المشكلة هي أساس عملية التدخل المطلوبة لتصحيح أسعار الصرف باتجاه السعر التوازني الحقيقي الذي يعكس حجم الطلب الفعلي على الدولار وحجم العرض الفعلي عليه مع التأكيد أن حجم الطلب ينبغي في الظروف الطبيعية (خارج المضاربة) أن يقتصر على تسديد المدفوعات الخارجية من استيراد السلع وتسديد نفقات التعليم والاستشفاء والسياحة الخارجين والاشتراكات الدولية المختلفة، أما العرض فيتركز على الصادرات بجميع أشكالها وقطاعاتها والتحويلات من الخارج وعائد الاستثمارات الخارجية إن وجدت.
جميع المؤشرات الاقتصادية تشير إلى حدوث تحسن واضح في أغلب القطاعات الرئيسية الإنتاجية والخدمية خلال هذا العام مع عودة إقلاع أغلب المنشآت واستثمار الأراضي الزراعية ووجود حركة تصدير مقبولة.
فهل هذه المعطيات تُنبئ بتراجع في قيمة الليرة أم في تحسنها؟ الجواب بالتأكيد أنه لا يوجد أي سبب حقيقي للتراجع، والدليل على ذلك أنه في أعوام سابقة تدنى سعر الصرف الموازي أقل من السعر الرسمي في سابقة هي الأولى خلال فترة الأزمة رغم أن الظروف الاقتصادية والأمنية لم تكن بالشكل الأفضل عما عليه اليوم.
الليرة بمثابة باروميتر الاقتصاد وتعكس درجة الحرارة كما التضخم تماماً فهي أي الليرة بمثابة (سبب ونتيجة) بآن معاً لتوصيف الوضع النقدي والاقتصادي لذلك ينبغي التعامل مع الأسباب الحقيقية وليس معالجة الأعراض فقط لأنها تبقى آنية ومؤقتة.
إن استخدام جميع أدوات السياسة النقدية وبخاصة أسعار الفائدة يبدو أمراً مهماً للحد من الطلب على الدولار لأسباب غير تجارية وفي ظل غياب وجود بورصة معلنة للعملة في السوق المحلية سيبقى هناك غياب للسعر الحقيقي التوازني الذي يبدو أنه لا ينطبق على سعر المضاربة الحالي.
ولعل مبادرة قطاع الأعمال عبر الصندوق التدخلي ومبادرة (عملتي قوتي) إحدى أهم قنوات إعادة الثقة للعملة المحلية أولاً وإلى إعادة السعر إلى وضعه التوازني الحقيقي ثانياً، والأيام القادمة ستثبت بدء تعافي الاقتصاد السوري وستظهر آثار ذلك قريباً على قيمة الليرة السورية.