الدكتور عامر خربوطلي _
مدير عام غرفة تجارة دمشق .
عادةً ما تقوم المصارف الإسلامية وهي التي تم اعتمادها كؤسسات مصرفية ترتكز في عملها على صيغ التمويل الإسلامي بجميع أشكالها ومنها (المضاربة والمرابحة والاستصناع والمزارعة والإجارة والتورّق والمشاركة …) تقوم على تقديم خدمات مصرفية تتماشى مع أسس الاقتصاد الإسلامي المبتعد تماماً عن نظام الفائدة أو (الربا) بجميع أشكاله ومسمياته وبالتالي قد تصطدم رغبات التمويل التنموية مع حائط انظمة المصرف الإسلامي بالإضافة لعدم قدرة هذا المصرف على تقديم تمويل المشروعات الخاصة في شكل قروض معفاة بالمطلق من الفوائد وإلا تحول المصرف لمؤسسة غير ربحية ويمكن عندها اعتماد أسلوب (وقف النقود) لتمويل المشروعات الصغيرة بدون فوائد.
وجميع هذه الأسباب تقود لأهمية عقود (الاستصناع) كأحد أهم الخدمات أو الوسائل التي يمكن اعتمادها من قبل المصرف الإسلامي لتمويل مشاريع البنية التحتية والمشاريع الإستراتيجية سواءً الحكومية أو الخاصة أو التشاركية بالإضافة لتمويل المشاريع الصناعية لأصحاب الأعمال.
الاستصناع هو الشكل الشرعي والاقتصادي الأنسب لتمويل تلك المشاريع باعتباره عقداً يتيح بيع ما لا يوجد عند التعاقد مع إمكانية الدفع العاجل أو الآجل.
وتتم عملية الاستصناع وفق التالي:
• تبدأ العملية بإفصاح العميل عن رغبته للمصرف الإسلامي في شراء شيء يحتاج أن يًصنع أو يُبنى أو يُركَّب، بمواصفات معينة، وثمن محدد.
• يبرم البنك مع العميل عقد استصناع يلتزم بموجبه بصناعة المطلوب وتسليمه للعميل خلال مدة زمنية محددة، مقابل ثمن محدد يسدد حالاً أو على أقساط متعددة أو بدفعة واحدة مؤجلة.
• يقوم البنك بعد ذلك بتوقيع عقد استصناع موازٍ (مع طرفٍ ثالثٍ) لصناعة ما طلبه العميل.
إذاً وبناءً على التغيرات الكبيرة في حجم وقيمة المشروعات التي تتطلبها احتياجات التنمية سواءً التي تقوم بها الحكومات أو تلك التي يتم إسنادها للقطاع الخاص، وفي ظل ندرة السيولة وعدم كفاية مصادر التمويل لتنفيذ هذه المشاريع بالإضافة إلى قلة الخبرات اللازمة لتنفيذها، فقد ظهرت حاجة ماسة إلى صيغة تمويل جديدة تتوافق مع المفاهيم الشرعية، وعليه فقد أصبحت عقود الاستصناع من عقود البيع التي يمكن استخدامها بالمصارف الإسلامية لتلبية حاجات ورغبات الجماعات والأفراد والتي لا يمكن تمويلها بعقود البيوع الأخرى وذلك من خلال تصنيع السلع وسداد الثمن مؤجلاً أو على أقساط، وفقاً لقدرات المستصنع (العميل) وموافقة الصانع (البنك) على ذلك.
أما الضوابط الشرعية الواجب توافرها في عقد الاستصناع والاستصناع الموازي:
1. أن يكون المعقود عليه (المصنوع) معلوماً بدقة، ويتحقق ذلك من خلال: بيان جنسه (المصنوع: سيارة، أو طائرة، أو عقار …)، وبيان نوعه (ماركة وطراز السيارة أو الطائرة …)، وبيان صفاته (جدول المواصفات الخاصة بالمنتج).
2. جواز التأجيل:
• المصنوع مبيع مطلوب صنعه أو الحصول عليه من السوق، لذلك يجب تحديد الأجل للتصنيع منعاً للغرر.
• مدة الأجل تعتمد على طبيعة الشيء المصنوع وفقاً لعقد الاستصناع الموقع بين الطرفين وللشروط والمواصفات المحددة بدفتر الشروط للمعقود عليه والتي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.
3. الثمن: أن يكون معلوماً بدقة من قبل الطرفين، وألا يتأثر بزيادة الأسعار أو أجرة العمل في الأحوال العادية، ويجوز تعديل الثمن في حال إدخال تعديلات على المصنوع وموافقة الطرفين على التعديلات المطلوبة.
إن ما دفعنا للحديث عن هذا النوع من صيغ التمويل الإسلامي هو الحاجة الملحة أولاً لتسخير أموال المصارف الإسلامية المرخصة أصولاً في سورية لدعم مشاريع البنية التحية وبخاصة مشاريع التشاركية بين القطاعين العام والخاص أو تمويل مشروعات التصنيع الخاصة وبخاصة الصغيرة منها، حيث تبين في تحليل نشاطات المصارف الإسلامية في سورية اعتمادها بشكل أساسي على عقود المرابحة بأكثر من 90% من أعمالها رغم أهمية العقود الأخرى ومنها (الاستصناع) فهل حان الوقت لاستغلال جميع الموارد المتاحة لتمويل مشاريع التعافي والانتعاش الاقتصادي لنرى ذلك قريباً.