أ.د. حيان أحمد سلمان: 2019/11/10
يعد علم اقتصاديات (عدم اليقين economics of uncertainty) من أهم العلوم التي تحظى باهتمام المفكرين والباحثين الاقتصاديين حالياً، وجوهر هذا العلم هو دراسة حالات عدم التيقن مما قد يحصل في المستقبل ولاسيما في الأسواق وما يمكن أن تتعرض له من تقلبات وانحرافات في المنظومة السعرية للسلع والخدمات بأنواعها من (الخبز وحتى الدولار) بسبب ارتفاع الأسعار بسبب الفجوة التسويقية الناشئة عن زيادة (الطلب الكلي) عن (العرض الإجمالي) على السلع والخدمات، وهذا ينعكس سلباً على المستهلكين وخاصة ذوي الدخل المحدود وهم الأغلبية من المجتمع السوري، وللخروج من هذه المشكلة لابد من تنظيم الأسواق التي تعبر عن لقاء مباشر مثل السوق العادية التقليدية أو غير مباشر مثل التجارة الإلكترونية، والسوق تتأثر بعاملين أساسيين لكل منهما تداعياته وقد يتداخلان مع بعضهما وهما:
أ- عوامل داخلية: تتوقف على القدرة الإنتاجية المحلية والتي دمرت القسم الأكبر منها العصابات الإجرامية.
ب- عوامل خارجية: وخاصة الإرهاب الاقتصادي المتضمن كلاً من (العقوبات والحصار الاقتصاديين الأحادي الجانب المفروضين من قبل أمريكا وأدواتها وعملائها) وإدمان الإدارة الأمريكية على ذلك.
ويسبب فوضى الأسواق يحصل الالتباس في المفاهيم التسويقية وخاصة بين مصطلحي (عدم اليقين of uncertainty) و(المخاطرة Speculation) وكثير من الاقتصاديين يعدون أن المصطلحين متطابقان لكن في رأينا أن الفارق بينهما كبير، حيث تعبر المضاربة عن عمليات تجارية يقوم بها المضاربون للتحكم في شراء وعرض السلع والخدمات في زمان ومكان من خلال احتكارها لوقت ما لإحداث فارق كبير بين الطلب والعرض عليها وحيث تصل الأسواق إلى حالة مرضية وهي (قيمة الطلب – قيمة العرض الكلي) > 1 وعندها ترتفع الأسعار ويرتفع معدل التضخم مباشرة، وتنعكس تداعياته على الشعب لأن التضخم هو ( ملاريا الاقتصاد الحالي يجعل الحياة كريهة)، وقد يعتمد المضاربون على أسلوب (المراجحة Arbitrage) والتي تعني استغلال واقع سوق ما وعدم كفاية السلع لطلبات المستهلكين، وتالياً يتم نقل سلع معينة من سوق أخرى فيها وفرة نسبية وبيعها وبما يضمن تحقيق أرباح كبيرة على حساب المستهلكين، وتزداد الحالة مأسوية عندما يتفق (المضاربون) مع (المراجحين) ويتحولون إلى (مافيا السوق) وعادة تكون الضحية هي القوة الشرائية لليرتنا السورية، وكما يقال في علم الاقتصاد إنه لا توجد مشكلة إلا لها حل، فللخروج من هذه المشكلة يجب على المؤسسات الحكومية تفعيل أسلوب (التدخل الإيجابي) وهنا نقترح لمعالجة المشكلة الاعتماد على أسلوب (التحوط Hedging) لمواجهة مخاطر (المضاربين والمراجحين) ويتم هذا من خلال الآلية التالية وهي دراسة متطلبات السوق المستقبلية وحاجاتها وتحديد مصادرها ( الداخلية والخارجية) وشراؤها حالياً والتخطيط لبيعها مستقبلاً أي ( البيع المضاد للسلعة) ويتم هذا من خلال عدة طرق ومن أهمها (التأمين والعقود الآجلة) أي البيع المستقبلي للسلع ووفقاً لبرامج تسويقية واضحة محددة زمنياً ومكانياً، وعندها تتوازن الأسواق ويتوازن معها كل المؤشرات الاقتصادية الأخرى، مثل المنظومة السعرية والإنتاج والاستهلاك وسعر الصرف وغيرها، وكمثال على ذلك، فقد استغل بعض ضعاف النفوس من المضاربين والمراجحين ظروف الحرب العدوانية على سورية واستغلوا واقع الأسواق السورية، كما حصل في سنة 2014 بين السوقين في (درعا ودمشق الحبيبتين)، لسعر البندورة في شهر رمضان الفضيل، وبين حماة وحلب من ناحية سعر اللحم في سنة 2015، وفي هذه الحالة تستطيع مؤسسات التدخل الإيجابي أن تتحكم في الأسواق ومنظومة الأسعار التي تعد ( ترمومتر وميزان الحرارة) للمجتمع، كما يمكن اعتماد المنافسة وكسر الاحتكار لأنه كلما زادت المنافسة انخفضت الأسعار واقترب السعر السوقي من سعر الشراء أي السعر التوازني، وعندها تتوازن الأسواق ويتوازن معها كل المؤشرات الاقتصادية الأخرى مثل المنظومة السعرية والتوازن بين الإنتاج والاستهلاك والصادرات والمستوردات وسعر الصرف وغيرها.
شاهد أيضاً
الموافقة على إدراج بعض الأنشطة الزراعية ضمن أحكام قانون الاستثمار
استعرض المجلس الأعلى للاستثمار خلال اجتماعه اليوم برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء واقع …