د. سعد بساطة/ صحيفة تشرين
في السابع عشر من سبتمبر عام 1928 اجتمع ثلاثة أكبـر منتجي النفط العالميين بقلعة على المرتفعات الأسكتلندية، وقاموا بالتوقيع على اتفاق سري لتقاسم السيطرة بينهم على النفط العالمي، وعدم ترك الأمر لقوى السوق. ببساطة، قرر مسؤولو شركات “إكسون” و”رويال داتش شل” وبريتش بتروليوم/بي بي) وقف التنافس بينهم وتقاسم مناطق الإنتاج وتكاليف النقل وأسعار البيع. وهكذا بدأ كارتل مرعـب، كان الغرض منه السيطرة على العالم من خلال السيطرة على النفط. لم يكن ذاك الاتفاق قانونياً، ولا واحدة من حكومات الشركات الثلاث تعرف أي شيء عن هذا الاجتماع، حتى الخمسينيات، أي بعد ما يزيد على 20 عاماً من انعقاده.
وسرعان ما انضمت شركات النفط الكبرى الأخرى إلى هذه المؤامرة (اتفاق أشناكاري)، وأصبح أعضاء هذا الكارتل يعرفون باسم الأخوات السبع: (بي پي، شڤرون، إكسون موبيل، رويال دتش شل، توتال، وإني).
يرجع تاريخ هيمنة العمالقة من منتصف الأربعينيات حتى السبعينيات؛ وكان لهم أعداء ثلاثة : التأميم وشركات النفط الناشئة و”أوبك”… فمنذ تأسيسها شكلت تهديداً كبيراً لهيمنة الأخوات السبع على سوق النفط. ورغم ذلك استفادت الأخوات السبع من قيام “أوبك” بحظر النفط عن الولايات المتحدة وأوروبا عام 1973، وتمكنت من تحقيق أرباح هائلة بسبب ارتفاع الأسعار.
قامت الحكومة الإيرانية برئاسة مصدق عام 1951 بتأميم شركات النفط، في خطوة غير سارة ، لتتم الإطاحة بـه 1953 بانقلاب بريطاني/أمريكي، لتستعيد الأخوات السبع النفط الإيراني.
عام 1946، كانت الأخوات السبع تسيطر على 90% من الإنتاج النفط الخام العالمي ، ولكن النسبة تقلصت إلى 10% فقط، كما تراجع حجم احتياطياتها من الخام إلى 3% من الاحتياطيات العالمية.
أفل نجم العمالقة بالسبعينيات، بعد أن فاض الكيل بالدول المنتجة، لتنطلق حركات التأميم للأصول النفطية بغـالب البلدان، ويدخل العالم مرحلة جديدة .
ببداية القرن العشرين، تحول وقود سفن البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط، وتزامن ذلك مع التطور السريع لصناعة السيارات، حيث كانت تباع الملايين من سيارات “فورد موديل تي”، وكان العالم متعطشاً للنفط، وهو ما أسهم في تورط شركات النفط في منافسة لا ترحم أدت إلى عدم استقرار السوق.
نماما مثل أغلب المنتجات الأساسية الأخرى الموجودة في الأسواق، تشهد أسعار النفط الخام تقلبات كبيرة تتراوح بين فترات النقص الشديد وارتفاع الطلب وزيادة الأسعار من جهة، وفترات زيادة العرض وانخفاض الطلب وهبوط الأسعار من جهة أخرى.
وكانت ولاية بنسلفانيا أول مركز للتنقيب عن الذهب الأسود، حيث أنتجت حوالي 50% من الإنتاج العالمي للنفط، وارتفعت أسعاره بسرعة من 0.49 دولار للبرميل سنة 1861 إلى 6.59 سنة 1865، وهو ما يمثل ارتفاعا هائلا بنسبة 1245% بأربع سنوات.
شهدت العقود الأربعة والنصف التالية اضطرابات، واتسمت هذه الفترة بسلسلة من الحروب الكبرى والأزمات الاقتصادية، التي كان لها تأثير مهم على أسعار النفط.
وتماما كما حصل خلال الحرب العالمية الأولى، حفزت بداية الحرب العالمية الثانية دفع وتعزيز أسعار الطلب، ولكن التأثير أقل حدة هنا المرة بسبب المعروض العالمي الوفير.
بشرت نهاية الحرب العالمية الثانية بفترة بذل فيها العديد من الدول جهودا متضافرة للسيطرة على إنتاج النفط العالمي، إلى جانب تأميم غالبية الحكومات لبنيتها التحتية للنفط.
أواخر الخمسينيات، بدأ الاتحاد السوفيتي غمر السوق بالنفط الزهيد مما دفع بالشركات لخفض الأسعار كمحاولة للحفاظ على تنافسيتها. كما وأدى اجتياح الأمريكان للعراق لظهور شكوك تتعلق بحجم الإمدادات، ترافق مع النمو الهائل في الطلب من قِبل الصين، ونتيجة لذلك قفزت الأسعار من 28.38 دولار للبرميل تموز 2000، إلى 146.02 2008.
كما انخفضت الأسعار بسبب الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 قبل العودة للارتفاع من جديد. وفي السياق، تسبب الربيع العربي 2011 بنقصٍ الإمدادات وساعد في رفع الأسعار إلى 126.48 دولارا للبرميل.
وأدت الفوائض بفعـل الصخر الزيتي الأميركي لانخفاض حاد بأسعار النفط العالمية، من 114.84 دولارا للبرميل حزيران 2014، إلى 28.47 كانون الثاني 2016.
هناك كثيراً من الخيوط المتشابكة بين السياسة والاقتصاد والعلوم والعواطف، وما هو لافت للنظر فيما يتعلق بالنفط، أنه كان بالماضي محركاً للثورة الصناعية، وسبب انتصار الحلفاء بالحرب العالمية الثانية، وضرورياً لحركة البشر بعد أن باتت السيارة عنواناً لعصر بأكمله؛ الجديد هو أنه عـدا عـن قيمة الاحتراق المولدة للطاقة ؛ فهو وراء الإنتاج الزراعي، والصناعي، وحتى الملاهي والجامعات. وما أصبح عليه النفط هو تحمل المسؤولية الخاصة بفناء كوكب الأرض، نتيجة الاحتباس الحراري الناجم عن احتراق الوقود «الأحفوري» بأشكاله المختلفة.
النتيجـــة ببساطة هي أن العالم لا يستطيع الاستغناء عن النفط، لأن مصادر الطاقة المتجددة من مياه ورياح وشمس لا تحقق التوازن المطلوب بين الاحتياجات والاستخدامات الإنسانية، في عالم تحرك بأرجائه جموع سكانه الأكثر من سبعة مليارات نسمة، وللتنمية والتقدم. ومن ناحية أخرى، فهناك قطاعات اقتصادية مهمة في الصناعـة والنقل يصعب استبعاد الطاقة الأحفورية منها.
الآن: انتعشت الأسعار نوعا ما لكنها لم تقترب أبدا من المستويات التي شهدتها خلال العقد الماضي.
لكن مع استمرار ارتفاع مستويات إنتاج الصخر الزيتي وضعف الاقتصاد العالمي، من المتوقع أن تظل الأسعار منخفضة مع إمكانية بلوغ متوسط الأسعار 66 دولارا للبرميل سنة 2020.
سؤالنا في الختام: ماهو دور سورية (بعـد الاكتشافات الواعـدة)كمنتج ؛ ضمن السباق العـالمي المحموم.؟!