بانوراما سورية- عبد العزيز محسن:
لطالما كان التهرب الضريبي جرحاً نازفاً في خاصرة الاقتصاد الوطني.. ولطالما ارتفعت أصوات “الغيارى” لضرورة الإسراع في مداواة هذا الجرح ومعالجته ووضع حد للضرر والأذى الذي تتعرض له خزينة الدولة جراء فوات منافع عامة محققة لإيرادات ضريبية ضخمة، وخصوصاً من كبار المكلفين من قطاع الأعمال على وجه التحديد.. والسبب بالتأكيد هو قصور التشريعات الضريبية وإساءة تطبيقها -على علتها- بموازاة تعشعش الفساد في مفاصل الكثير من الإدارات والدوائر العامة وتناغمه مع أصحاب الفعاليات الصناعية والتجارية والخدمية في سيناريو ووقائع ونتائج معروفة للقاصي والداني..
لقد أظهرت الزيادة الأخيرة للأجور والرواتب للعاملين في الدولة المزيد من خفايا الخلل الذي يعاني منه نظامنا الضريبي، واتضح بأنه يرتكز بشكل اساسي على الحلقة الأضعف وهو راتب الموظف عبر جباية إجبارية ومريحة وبلا أي عناء او تعب! – وكأن الدولة بذلك تنقل أموالها من جيبتها اليمنى إلى جيبتها اليسرى بدون أية جدوى فعلية، فيما من المفترض أن يكون التركيز على حلقات أقوى وأوسع وبإقامة نظام ضريبي عادل يخفف من حجم التهرب الضريبي الكبير من قبل الكثير من أصحاب الفعاليات الاقتصادية ومن أصحاب المهن المختلفة، على أن تكون البداية في تحديث التشريعات الحالية المليئة بالثغرات وتحصين من يطبقها وإلحاق أشد العقوبات بمن يخرقها ويسيئ تطبيقها..
وتحاول الحكومة اليوم معالجة ملفات ضريبية كبيرة ومعقدة، من بينها ملف التراكم الضريبي حيث شكل رئيس مجلس الوزراء مؤخراً بعثة تفتيشية تضم ممثلين عن الجهاز المركزي للرقابة المالية وهيئة الرقابة والتفتيش والاستعلام الضريبي وهيئة الرسوم والضرائب مهمتها التحقيق في اسباب التراكم الضريبي وخصوصاً لدى كبار المكلفين وإيجاد آلية مناسبة لمعالجة هذا التراكم وخصوصا لكبار المكلفين في الهيئة العامة للرسوم والضرائب.. ولأن معالجة أية حالة شاذة يبدأ اولاً بالتشخيص ومعرفة أسباب انتشار هذه الظاهرة، ومن بعد ذلك العمل لوضع العلاج او طريقة الحل المناسبة، وهذا ما حدث في الحالة التي نتحدث عنها، حيث جاء في حيثيات قرار رئيس الحكومة بأن مهمة هذه البعثة هو التحقيق في الأسباب التي أدت إلى حدوث التراكم الضريبي لضمان عدم حدوته مرة أخرى، ومن ثم وضع آليات لمعالجة التراكمات الموجودة حالياً…
نأمل أن توفق هذه البعثة التفتيشية في إنجاز مهمتها لنخطو خطوة مهمة جداً في معالجة ملف معقد وصعب ولكنه ملف كامل الدسم مالياً ،ومن شأنه إدخال إيرادات كبيرة جداً إلى خزينة الدولة، مع الأمل أن يتبع ذلك خطوات أخرى على صعيد تصحيح مسار التحصيل الضريبي وإقامة نظام ضريبي عادل قدر الإمكان..