الرئيسية / آراء اقتصادية / مصيدة السيولة النقدية وهزيمة المضاربين!

مصيدة السيولة النقدية وهزيمة المضاربين!

أ.د. حيان أحمد سلمان

تعد ظاهرة (مصيدة السيولة) النقدية من أخطر المؤشرات الاقتصادية المالية، ومضمونها وجود أموال كثيرة في النظام المصرفي لكنها لا تستثمر في الإنفاق والاستثمار بل يتم تخزينها، أي إن المستثمرين يحجمون عن الاستثمار ويتوجه المستهلكون أيضاً للتقليل من الاستهلاك، ويتم التوجه للاحتفاظ بالسيولة في البيوت أو البنوك، ومعروف أن نقص السيولة يؤدي إلى العجز في تلبية الاحتياجات التبادلية ولكن زيادتها تشير أيضاً إلى عدم نجاح الخطط الاقتصادية لتحويلها إلى قنوات استثمارية، ومعروف أن الاستثمارات هي الحامل الحقيقي للتنمية المجتمعية، وهذه الظاهرة إذا لم تعالج تؤدي إلى (تراجع معدل النمو الاقتصادي وقيمة الناتج المحلي والاستثمارات وثقة المستهلكين فتزداد معدلات البطالة ويقل الاقتراض وتنخفض أسعار الفائدة وتسيطر حالة عد اليقين على النشاط الاقتصادي…إلخ)، وقد تلمس عالمنا الاقتصادي الكبير (جون ماينارد كينز) هذه الحالة سنة 1929 أي وقت أزمة الكساد الكبير، حيث لاحظ أن سعر الفائدة على السندات كان /10%/ وعلى الودائع البنكية بين /2.5% و6%/، إلا أن الاستثمارات في السندات بقيت في حدها الأدنى مقابل التوسع في الودائع البنكية، وهنا أشار كينز إلى أنه حصل خلل في الطلب على النقود التي حددها بعوامل ثلاثة وهي (غرض المبادلات والاحتياط والمضاربة)، وتفقد النقود دورها، كما يقول بعض الاقتصاديين إن (النقود هي وقود التبادل التجاري) وإن (النقود أشبه بزيت محرك السيارة لا تساهم في الحركة لكن غيابها يبطل حركة السيارة)، ومع سيطرة هذه المؤشرات وتوسعها وخاصة مع زيادة حالة (عدم اليقين) التي يرسخها المضاربون لتعظيم أرباحهم من خلال استغلال مصيدة السيولة، وقد أشار إلى هذه الحالة أيضاً الاقتصادي الأمريكي (ستيفن روش) أستاذ الاقتصاد في جامعة (يل)، مؤكداً أن مصيدة السيولة تزداد في الحالات الحرب والكساد، كما هو واقع الاقتصاد الأمريكي حالياً بسبب الحرب التجارية والعقوبات الاقتصادية المعتمدة من الإدارة الأمريكية، وفي رأينا تتوسع مصيدة السيولة مع الإرهاب والحرب الاقتصادية كما هو في سورية ومنذ أكثر من /9/سنوات، وهنا وجد كينز آلية الخروج من هذه المشكلة، حيث أكد أن السياسة النقدية في هذه الحالة تكون في أدنى مستويات فعالياتها وغير قادرة على التحكم في معدلات السيولة وعرض النقود إلا عن طريق تخفيض أسعار الفائدة، ولكن هذا لا يضمن تفعيل الاقتصاد الوطني كما حصل في اليابان مثلاً في تسعينيات القرن الماضي، عندما تعرضت اليابان إلى ركود اقتصادي وخفضت الفائدة إلى (0%) لكن استمرت حالة الركود وبقيت معدلات النمو الاقتصادية منخفضة ما أوقع الاقتصاديين اليابانيين في حيرة من أمرهم، وتبين لهم لاحقاً أن المشكلة تكمن في غياب ثقة المستثمرين بالاقتصاد الياباني ما دفعهم للاحتفاظ بنقودهم لمواجهة الأزمات الاقتصادية القادمة حسب توقعاتهم؟! ونتيجة ذلك توجه أغلب المستثمرين اليابانيين وممن تنقصهم (الجرعات الوطنية اليابانية) لسحب إيداعاتهم من البنوك ووضعها في بنوك خارجية برغم كثرة المخاطر عليها؟!،وهذا أضعف دور البنوك كوسيط بين المقرضين والمقترضين ويقل تدوير النقود كوسيط تبادل بل تصبح مخزناً للقيمة فقط، وهذا يؤدي تلقائياً إلى(الركود التضخمي أو Deflation)، وبعد المعالجة توصل (كينز) إلى استنتاج مهم وهو (أن التغيير في كمية النقود يؤثر في جميع المتغيرات الاقتصادية مثل الدخل والعمالة والادخار والاستثمار، وهنا يتم التغلب على الحالة التي يقوم بها المضاربون بالاحتفاظ بالأرصدة النقدية لديهم للمضاربة في السندات والعملات وغيرها والاستفادة من ارتفاع الأسعار مستقبلاً).
وبعد دراستي وتحليلي لواقع اقتصادنا بعد /9/ سنوات حرب، أقول كوجهة نظر لسنة بأنه يجب أن نستعد للخروج من مصيدة السيولة 2020، وكما كان يقول عمي- الفلاح الجميل أبو أسعد رحمه الله- (الحذر هو قمة الشجاعة) وكل عام وأنتم بخير.

شاهد أيضاً

الموافقة على إدراج بعض الأنشطة الزراعية ضمن أحكام قانون الاستثمار

استعرض المجلس الأعلى للاستثمار خلال اجتماعه اليوم برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء واقع …

Call Now ButtonCall us Now