العيادة الاقتصادية .
الدكتور عامر خربوطلي
مدير عام غرفة تجارة دمشق
مع أمنياتي للجميع بعام جديد مليء بالأمل والتوفيق فقد ذكرني /2020/ بالدراسة التي تم إعدادها قبل حوالي /15/ عاماً حول رؤية استشرافية لمستقبل سورية الاقتصادية لعام /2025/ والسيناريوهات المحتملة منذ ذلك الحين والتي دعمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية UNDP وشارك فيها مجموعة كبيرة من المختصين والخبراء والاقتصاديين والتي ركزت على مفاصل وقطاعات أساسية كالزراعة والصناعة والخدمات ومستقبل المشروعات الصغيرة والمتوسطة السورية، حيث حاولت هذه الرؤية أن تتلمس اتجاهات الاقتصاد السوري حتى عام /2025/ وقد تضمنت أفكاراً مهمة اندرجت فيما يُعرف بالدراسات المستقبلية والحاجة لإدخال تغيرات عميقة في الاقتصاد السوري لمواجهة تحديات المرحلة المستقبلية وبخاصة احتمالات السياسات الكلية للاقتصاد في إطار سيناريوهات لدور الدولة في الاقتصاد والدور المتوقع للقطاع الخاص والأهلي وأذكر إنني تداخلت في مناقشة هذه الرؤية حيث أشرت إلى المشاهد المفترضة الثلاث التي أشارت إليها الدراسة (مشهد استمرار الاتجاهات – المشهد الليبرالي- مشهد الدولة التنموية) فيما يخص القطاع الخاص السوري ومن ثم شركاتة الصغيرة والمتوسطة، وكما أوردت الدراسة أن لكل مشهد فرصه ومقيداته ودواعيه ومبرراته وكلفه ومخاطره، وهذا ما يتطلب فتح حوار مجتمعي شفاف حول مسارات التطور المستقبلي وهذا أمر مهم جداً لتحديد المسار الأفضل والأمثل لسورية. هنا هو الذي يحقق أفضل النتائج الاقتصادية على المستوى الكلي، ويواجه تحديات المستقبل السوري من ناحية السكان وضغط الموارد وفرص العمل والأمثل هو الذي يحقق معدلات أفضل للدخل الفردي، وعدالة توزيعه أي أنه يحقق درجة أكبر من الرفاهية للسكان دون الدخول في جدل سياسي أو اقتصادي وعلى قاعدة صينية مشهورة (القط الأبيض والأسود) التي تقول أنه لا معنى للون القط إن كان أسوداً (رأسمالياً) أم أبيضاً (اشتراكياً)، لأن المهم إن يلتقط الفأر وهنا المقصود تحقيق المنافع والنتائج الأفضل من خلال استقطاب الاستثمارات والادخارات وتشغيل الأيدي العاملة وبناء القدرات الصناعية ذات القيم المضافة الكبيرة.
إن الدمج بين المشهد الليبرالي ومشهد الدولة التنموية قد يكون أحد السيناريوهات المفترضة لأن سورية وفي مرحلة تاريخية مهمة اقتصادياً (وهي فترة ما بعد الاستقلال). قد حققت نتائج اقتصادية جيدة في ظل نظام ليبرالي لم يمنع الدولة من أن تكون حاضرة وقوية، وبخاصة في مجال التشريعات والأنظمة التي تم وضعها لتأمين البيئة المثالية لعمل القطاع الخاص آنذاك الذي حقق طفرات تنموية كبيرة وبخاصة على صعيد إقامة الشركات الصناعية والتجارية المساهمة، وإقامة بنية تحتية جيدة كالمرافئ والمطارات والطرق …. في العودة للقطاع الخاص السوري الذي لن يؤمل منه دوراً كبيراً ومتعاظماً، إلا في حال توفر شرط البيئة الاقتصادية الملائمة لعمله من أنظمة وتشريعات مشجعة وحدود مفتوحة للاستثمارات والادخارات، وفي جميع القطاعات دون أي تقييد أو تحديد أو توزيع للأدوار لأن القاعدة التي يجب أن تعتمد لتحقيق اكبر قدر من الفاعلية للقطاع الخاص هي إعطاء المهمة لمن يستطع تحقيقها بأكبر قدر من الكفاءة والفاعلية.
واليوم وقد جاء عام /2020/ وسورية قد فقدت عقداً من التنمية الضائعة بفعل أزمة قاسية مرّت بها منذ عام /2011/ جعلت من السيناريوهات المحتملة أمراً غريباً وقلبت التوقعات وانحرفت الأولويات بفعل التداعيات الاقتصادية للأزمة، والسؤال الذي يبقى مفتوحاً للنقاش عن إمكانية رسم معالم مستقبلية جديدة لعام /2050/ تأخذ باعتبارها دروس الماضي وتحدياتها الكبيرة للوصول إلى اقتصاد تنافسي متعدد الموارد وقادر بمحركاته الذاتية على خلق قيم مضافة تتعدى ما هي عليه الآن والوصول لناتج محلي مضاعف بمرات عديدة ما كان عليه عند إعداد الدراسة السابقة وهي أمور قابلة للتحقيق بمجرد وضع هذه الرؤية الجديدة باعتبار أن تحديد الهدف يمثل 80% من الوصول إليه، فهل نبدأ بتطبيق البرنامج الوطني للتنمية لسورية ما بعد الحرب الذي تم اعتماده ليكون أكثر استدامة.
وكل عام وأنتم بخير.