من الطبيعي أن تتجه شركات ومؤسسات القطاع العام للبحث عن مطارح استثمارية غير مستغلة، إما لتأمين إيرادات جديدة، أو لتعويض جانب من الخسائر، التي هي حالة ملازمة لأداء الكثير من هذه الشركات والمؤسسات، فقد يكمن المطرح الاستثماري الجديد في إنتاج سلع جديدة قريبة من التشكيلة السلعية التي تنتجها المنشأة، أو في استثمار أحد مرافقها بعيداً عن نشاطها، أو في إيجاد استثمار جديد كلياً، المهم في نهاية الأمر ليس الاستثمار بحد ذاته، بل العوائد التي يوفرها، والتي قد ترفع الإيرادات أو تغطي الخسائر..
عرض واجهات وأسطح ووسائل النقل في المنشأة للاستثمار كمساحات إعلانية، بات محل اهتمام الكثير من الشركات والمؤسسات، ولا سيما أن هذه المساحات تستهوي المعلنين إما لانتشارها ولوقوعها في أماكن مميزة (المباني والواجهات)، أو لكثرة وتنوع عدد الشرائح المستهدفة، التي قد تتعرض للرسالة الإعلانية (وسائل النقل).
المخابز لم تجذب معلنين..!
سبق للشركة العامة للمخابز أن عرضت واجهات وأسطح مباني المخابز للاستثمار الإعلاني، وذلك بالنظر للمساحات الكبيرة والمواقع المتميزة التي تحتلها، داخل المدن وعلى الطرق الرئيسة والسريعة، كما اتجهت إلى فكرة الإعلان على أكياس ربطات الخبز؛ ما يضمن نشراً واسعاً للإعلان، جراء التوزيع الكثيف لهذه الشرائح، وفي المناطق والأحياء كافة. علماً بأن الشركة تدير عدداً هائلاً من المخابز في المحافظات كافة؛ ما يجعل من هذا المشروع ذا ريعية اقتصادية معقولة.
وبين المدير العام للشركة جليل إبراهيم أنه بالرغم من أهمية المساحات والمواقع الإعلانية التي تتيحها الشركة للمستثمر الإعلاني، إلا أن الشركة لم تتلقَ بعد أية عروض استثمارية، عازياً إحجام المستثمرين عن هذا المشروع إلى المخاطر التي قد ينطوي عليها من جهة، وإلى الظروف الاقتصادية الحالية، التي قد لا تشجع للدخول في هذا النوع من الاستثمار من جهة أخرى.
ولفت إبراهيم إلى أن هذا المشروع، في حال نجاحه، يخدم الشركة في اتجاهين.. تأمين إيرادات معقولة تغطي بعض جوانب الإنفاق، والتغلب على بعض التشوهات في الجدران والأسطح بفعل العوامل المناخية، والتكاليف الكبيرة التي قد تتكبدها الشركة عند إجراء أية عمليات إكساء وترميم، حيث إن اللوحات الإعلانية تغطي مثل هذه التشوهات، وتعطي المباني منظراً جميلاً.
والنقل الداخلي تترقب
وتسعى الشركة العامة للنقل الداخلي للخروج من حالة الخسارة، حيث فقدت جزءاً كبيراً من أسطولها ورحباتها ومستودعاتها جميعاً، إضافة للخسائر التشغيلية نتيجة الفارق الكبير بين تكاليف التشغيل والإيرادات، وذلك بطرح حافلاتها للاستثمار الإعلاني، وفقاً لما أعلن مديرها العام حسين سليمان، قبل أيام، مبيناً أن تكلفة الاستثمار للحافلة الواحدة بـ50 ألف ليرة سورية شهرياً.
وأوضح سليمان أن هناك 25 حافلة مطروحة للاستثمار، شريطة أن يتحمل المستثمر تكاليف لصق وإزالة الإعلانات والرسوم والضرائب وحصة المؤسسة العربية للإعلان، وألا تكون الإعلانات ممنوعة، وألا تمس الجهة المستثمرة بحقوق الشركة ومصالحها، كتغيير خطوط الحافلات مثلاً.
إعلان مشروط..
تقع إعلانات المباني والأسطح ووسائل النقل ضمن إعلانات الطرق، ويبدي مدير الإعلان الطرقي في المؤسسة المثنى الرحية حماساً مشروطاً لهذا النوع من الإعلان، فالجهات التي ترغب بوضع لوحات إعلانية على مبانيها، يجب أن تقبل بنشر أي إعلان عليها، فقد لا يناسب بعض الإعلانات لهذه المؤسسة أو تلك، والتي غالباً ما تكون جهات رسمية ذات خصوصية ثقافية أو اجتماعية، ولن تستطيع منع المستثمر من نشر هذه الإعلانات، الذي سيسعى للربح وضمان عوائد مجزية لاستثماره.
ويرجع مشروع الإعلان على وسائل النقل، وفقاً للرحية إلى عام 2004، حيث استثمرت فيه بعض الشركات، لكنه لم يلقَ النجاح المتوقع؛ لأن المعلنين ما زالوا يفضلون اللوحات الثابتة، وحالياً هناك خمسة طلبات لدى المؤسسة للاستثمار الإعلاني على وسائل النقل العامة والخاصة.
وأشار الرحية إلى أن الكثير من الجهات عرضت مساحات إعلانية للاستثمار، ومنها صحيفتا “البعث” و”الثورة”، ووكالة سانا والسورية للتجارة وغيرها، بيد أن الاشتراطات الوزارية، التي ترجع إلى عام 2009 وتلتزم بها محافظة دمشق، تحول دون التوسع في مشاريع الإعلان الطرقي، فمثلاً ممنوع الإعلان على أعمدة الإنارة والمنصفات والساحات العامة، وحجب الرؤية عن المساحات الخضراء وغيرها، وذلك خلافاً لما هو متعارف عليه حول العالم.
إيرادات فائتة..
كبدت الأزمة السوق الإعلانية خسائر كبيرة، كما أعاقت نمو هذه الصناعة شديدة الحساسية للمتغيرات، إلا أن عام 2017 كان عام التعافي إلى حد ما؛ حيث وصلت إيرادات المؤسسة إلى 1.6 مليار ليرة، ارتفاعاً من 1.4 مليار لسابقه، ثم توالى تحسن هذه الإيرادات، فيما سجل 2013 الأداء الأسوأ، إذ تدنت معه إلى 507 ملايين ليرة، علماً بأن الإيرادات الفائتة خلال أعوام الأزمة الستة، كانت بمعدل 500 مليون ليرة سنوياً تقريباً؛ ما يعني خسائر تكبدتها صناعة الإعلان وصلت إلى ثلاثة مليارات ليرة، مع الإشارة إلى أن إيرادات 2010، العام الذي سبق الأزمة، وصلت إلى 1.2 مليار ليرة.
إعلان الـ”سوشيل ميديا”..
تتجه المؤسسة لتنظيم الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي مازال خارج السيطرة، بحيث يقنن أداؤه قيمة وشكلاً ومضموناً، ويسهم في رفع مداخيل الصناعة الإعلانية، وإن كان هذا الأمر دونه عديد الصعوبات والعراقيل؛ لأن التعاطي مع وسائل عالمية كـ”فيسبوك” و”واتس آب” وغيرها يختلف كلياً عن التعاطي مع وسائل محلية، في وقت تتعاظم فيه حصص وسائل التواصل من السوق الإعلانية حول العالم..
سوق ضحلة..
يمكن وصف السوق الإعلانية المحلية عموماً بأنها سوق ضحلة، حتى مع استثناء تأثيرات الأزمة، فمثلاً كانت في أوج أدائها عام 2010، ومع هذا لم تتجاوز إيراداتها 1.2 مليار ليرة، في وقت ارتفع فيه الإنفاق الإعلاني العربي خلال النصف الأول من 2011، إلى 3.45 مليارات دولار، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة “أبسوس ستات” لأبحاث السوق، إذ أكد أن أسواق سورية وعمان والبحرين واليمن ما تزال صغيرة، بالنظر لاعتمادها على علامات تجارية محلية، مشيراً إلى أن أسواق سورية والعراق والجزائر تمتلك إمكانات كبيرة للنمو.
وبحسب تقديرات من واقع السوق، فإن شركتي الاتصالات الخلوية تسيطران على حوالى 50 بالمئة من السوق الإعلانية المحلية، وأظهرت دراسة تحليلية قامت بها مجموعة من الباحثين، قبل سنوات، ونشرت نتائجها في مجلة جامعة تشرين، أن حصة الفرد السوري من الإنفاق الإعلاني ما زالت متواضعة قياساً بنظيره العربي؛ ما يشكل مؤشراً على تدني حصته من الإنفاق الاستهلاكي، التي لا تحدد من خلال الإعلان، بل من خلال طبيعة الطلب والتعطش للأسواق، فضلاً عن ضعف جودة صناعة الإعلان، بصرف النظر عن الوسيلة الإعلانية.
أحمد العمار