تصرح الحكومة كل عام بأن لا ضرائب جديدة، وبأنها سوف تركز على مكافحة التهرب الضريبي، إلا أن نظرة بسيطة على أرقام الرسوم والضرائب في الموازنة، كفيلة بكشف العديد من نقاط الخلل، وهناك نقطتان يمكن بحثهما بشكل خاص، الأولى، أن إجمالي الضرائب والرسوم، المباشرة وغير المباشرة، بالكاد تموّل 20% من الإنفاق الحكومي المقدر (إجمالي الموازنة للعام 2020)، وهذا دليل على وجود تهرب ضريبي كبير، علماً بأن النسبة في الدول النفطية التي لديها مورد مهم لتمويل الموازنة تكون بحدود 20%، لترتفع في الدول غير النفطية بشكل كبير وقد يتخطى 70% كما في مصر.
صحيح أن هناك تدنياً كبيراً في مستويات الإنتاج إثر تداعيات الحرب الإرهابية على سورية وتخريب البنى التحتية وهذا حكماً يخفض من مستويات الضريبة، إلا أنه في المقابل توصف الموازنة بالتقشفية، ونحن نتحدث عن نسبة مئوية، كما أن العام الماضي حمل معه عودة عدد كبير من المنشآت إلى العمل، في حين أن التهرب الضريبي لا يزال مشكلة كبيرة، ومستمرة، وهذا ما تتحدث عنه الحكومة، وعن ضرورة معالجته، وخاصة في اجتماع الأسبوع الماضي في رئاسة مجلس الوزراء المخصص لمعالجة التهرب الضريبي بصورة أساسية.
النقطة الثانية، هي أن كتلة الضرائب أقل من 32% من إجمالي الضرائب والرسوم، في حين الرسوم تشكل أكثر من 68%، وهذا دليل على أن وزارة المالية لم تكن ترفع الضرائب كما تصرّح دوماً، لكنها تعمل على رفع الرسوم عوضاً عنها، كما تقوم بذلك جهات أخرى يمنحها القانون مرونة في فرض الرسوم ضمن هوامش محددة بالقانون.
عضو مجلس الشعب المتخصص في الإدارة المالية والمطلع عن قرب على واقع الضرائب في سورية محمد خير العكام أكد لـ«الوطن» أن وزارة المالية رفعت الكثير من الرسوم، وضاعفت بعضها عشرات المرات، وبعض هذه الرسوم تأخذ شكل الضرائب كالرسم على الإنفاق الاستهلاكي، الذي فرض بقانون خلال العام 2015، وبالتالي «لا يحق لوزير المالية أن يقول إنه لم يفرض ضرائب جديدة خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية».
وأضاف العكام «لا يعقل أن تكون تقديرات ضريبة دخل الأرباح 155 مليار ليرة سورية خلال العام 2020 بحسب الموازنة العامة للدولة، في حين ضريبة رؤوس الأموال المتداولة 15 مليار ليرة فقط، أما ضريبة الرواتب والأجور فهي 50 مليار ليرة».
وتابع العكام القول «أولاً، هذا التوزيع غير عادل، ثانياً، إن ضريبة الأجور والرواتب مرتفعة جداً، خاصة بعد زيادة الأجور والرواتب الأخيرة، وعليه فإن تصريح وزير المالية بأن نسبتها لا تتعدى 2% غير دقيق، وأنا مسؤول عن هذا الكلام، ولا يمكن أن يدفع المكلفون بضريبة الأجور والرواتب ثلث ضريبة الدخل في سورية، لأن مستوى الأرباح التي يحققها المكلفون بهذه الضريبة أعلى بكثير من مستويات الأجور والرواتب، لذلك فإن ضريبة الأجور والرواتب غير عادلة البتة».
وأكد العكام أن زيادة الأجور والرواتب الأخيرة تستدعي رفع الحدّ الأدنى من الأجور والرواتب المعفي من الضريبة، وإعادة النظر بالشرائح التي تحتسب على أساسها نسب الضريبة، إضافة لتخفيض معدلات الضريبة.
وبين العكام أن إجمالي الرسوم تشكل أكثر من 68 بالمئة من إجمالي الضرائب والرسوم، والبقية ضرائب، لذا فإن ما تم رفعه خلال الفترة السابقة هي الرسوم، وبقانون، وهذا ما أدى إلى حدوث خلل في التوزيع بين الضرائب والرسوم، بما لا يحقق العدالة أبداً، لأن الرسوم لا تميز أبداً بين منتفع وآخر.
علماً بأن وزير المالية مأمون حمدان أكد أن الوقت حان لحسم وتصويب موضوع الضرائب وإعادة النظر فيه، ولاسيما أن السياسة الضريبة الحالية قديمة وبحاجة إلى تحديث، كما لم يخفِ خلال الاجتماع الخاص بالضرائب بأن وزارة المالية وهيئة الضرائب والرسوم لا تستطيعان وحدهما أن تحدا من التهرب الضريبي وتحققا العدالة الضريبية، مؤكداً أننا بحاجة إلى تعديل القوانين والتي يتم العمل عليها حالياً، منتقداً ما يقال حول أن أكبر نسبة للضرائب والرسوم هي على الرواتب والأجور، وأنها بحدود 20%، أو أكثر، «وأنا أجزم أنها لا تتعدى 2%»، في حين أكد مدير عام هيئة الضرائب والرسوم منذر ونوس أنه لن يكون هناك أي ضرائب جديدة، أي إن أحداً لم يتحدث عن موضوع الرسوم التي يتم رفعها.