ناظم عيد – الخبير السوري:
بقدر ما ينطوي عليه مصطلح ” الاقتصاد الهجين” من ميزات ذات منعكس إيجابي على أصحابه..يبدو مفهوم ” الاقتصاد اللقيط” ذي ارتدادات بغيضة وعنيفة على أصحابه وعلى الجوار الواقعين في علاقة تأثّر وتأثير مباشر به.
هو طرح بالغ الواقعية، وبعيد كل البعد عن تشتيت الانتباه، بل فيه ما فيه من عصف ولو بسيط للذهن، واستجماع الانتباه باتجاه مقاربة المشهد اللبناني الراهن مع والحالة السورية..
ولا نظن أننا نتجنّى ونحن نقود مخيّلة من يقرأ وجهة نظرنا، نحو صفة ” اللقيط” التي آل إليها حال الاقتصاد اللبناني، الهارب أو المُهرّب من الحالة الإنتاجية بشقيها الزراعي والصناعي، نحو الموقف الريعي الهش بشكله المالي الصرف وشبه المطلق، وهي انعطافة حادّة نحو الهاوية – قمّة الهاوية – بغض النظر عن المتعة المؤقتة لاعتلاء قمة هذه الهاوية، فقبيل السقوط كان شأن آخر غيره ما بعده باختلاف كلّي ومطلق، وها هي الوقائع الراهنة تشهد بكل حيثياتها المعقّدة.
نذكر أن الجار – الشقيق – كان منذ حوالي أربعة عقود، رائداً في مجال الزراعة وخياراتها من حيث الصنف والاستثمار، عندما تكفّل مغتربو هذا البلد بتوطين أصنافاً وتقاليد زراعية، لم تكن موطنة بعد في سورية، ويعلم كلّ متابع للتفاصيل، أن زراعة الحمضيّات انتقلت بالعدوى إلى سورية من لبنان..فبيارات الحمضيات السورية كانت مزروعة قبل السبعينيات بالزيتون.
والعدوى ذاتها كانت بالنسبة للتفاحيات، وباقي أصناف الأشجار المثمرة..العنب والعرائش ووو السلسلة تطول، ونذكر أن أسماء بعض الشركات المتخصصة بتجارة الشتول، اكتسبت شهرة كبيرة في أوساط السوريين، وربما ما زالت راسخة حتى الآن..والأمر ينسحب على أصناف زراعات موسمية لم يكن يعرفها السوريون ..
وفي مجال الصناعة التحويلية كان لبنان سابقاً لسورية في هذا المضمار أيضاً – لاسيما الصناعات الغذائية – فهذا البلد كان مصدر البن الفاخر المطحون والمعبأ الذي أدمنه السوريون، وكذلك الحلاوة بالطحينة، والكونسروة بأنواعها، وسلسلة منتجات جاذبة للذوق الاستهلاكي السوري..منظفات و “كلينكس” وهذا اسم ماركة محارم وأوراق صحيّة مصدرها لبنان، وحتى الآن يطلق كبار السن من السوريين تسمية ” كلينيكس” عل كل أنواع المحارم المنتجة في سورية التي تنتج عبر أكثر من 500 مصنع بـ 500 اسم تجاري، لكن ” كلينيكس” بقي راسخاً في ذاكرة السوريين.
كل هذا انهار وبتسارع لافت تحت ضربات الدافعين باتجاه التحول نحو الريعية، ونسف الإرث الزراعي والصناعي من جذوره..ومعظم هؤلاء ساسة بخلفيات اقتصادية، جنحوا نحو تعويم ” الحالة الرخوة” للاقتصاد لغايات كثيرة ومتعددة..وبدؤوا يطلقون على بلدهم ” سويسرا الشرق الأوسط” سويسرا ذات الاقتصاد المالي – المصرفي، بالتالي على لبنان ” انتحال صفة” اقتصاد مالي – مصرفي..ومن هنا بدأ الاقتصاد اللبناني ينحدر في هاوية ” الحالة اللقيطة”..التي يعاني نتائجها الشعب اللبناني حالياً.
يتحدث أحد الأصدقاء اللبنانيين نقلاً عن الحريري الأب أنه قال يوماً: لماذا أزرع القمح وسورية على مرمى حجر من هنا..وهو موقف يختصر علينا الكثير الكثير من الشرح والتفصيل.
أي تحوّل لبنان من خاصرة داعمة ومسند قوي لسورية، إلى خاصرة ضعيفة ونقطة ضعف بالغة الهشاشة للاقتصاد السوري..وها هي أزمتهم اليوم تلفح الاقتصاد والمواطن السوري.
وريعيتهم المنتحلة تحرق مليارات السوريين في بنوك تهرول نحو إعلان الإفلاس عندما تتاح لها الفرصة.
جاع اللبنانيون ولاذوا بالخيار السوري لإكمال نواقصهم المعيشيّة..بدأ التهريب المعاكس من سورية إلى لبنان، خصوصاً بعد القرارات الصماء التي اتخذتها السلطات هناك بشأن تقييد المستوردات ووضع اشتراطات قاسية تهدف إلى تحقيق بعض الطلب على الليرة اللبنانية، عبر مؤونات إجازات الاستيراد..ومنع التحويلات إلى الخارج بل وتجميد الأرصدة البنكيّة.
رياح صفراء بدأت تتدفق نحو الداخل السوري من مضمار الجار اللبناني..وبدأت حركة التهريب المعاكس للسلع والاحتياجات الغذائية من سورية..أي على سورية أن تموّل المستوردات لتأمين احتياجات شعبها والشعب اللبناني..والأخير معتاد على تقاليد استهلاك واسعة الطيف، لأنه أدمن الاستهلاك بالدين، فرقم الدين العام اللبناني وصل إلى 74 مليار دولار..تخيلوا هذا الرقم لا يمتلك من مقومات الإنتاج ما يبرر 10 % من هذا الرقم، بالتالي الدين هو ذمّة ثقيلة الوطأة لا تقابلها أية أصول ثابتة..دين بقصد الاستهلاك وليس الإنتاج..وعلى الحكومة والدولة السورية اليوم أن تسدد فاتورة لا ناقة ولا جمل لها بها..فهل علينا أن نستغرب سبب الارتفاعات المفاجئة في سعر صرف الدولار ؟؟؟