كتب د بسام ابو عبدالله الذي يشغل منصب مدير مدرسة الاعداد في حزب البعث :
( اسحبو ورقة النفط السوري من يد واشنطن ) .
لا يخفي أعداؤنا وخصومنا مخططاتهم الحالية واللاحقة للمواجهة، والتي تركز على تفكيك مجتمعاتنا، وممارسة أقصى درجات الضغط الاقتصادي والحصار الجائر، من خلال منع أي إمكانية لحصول انفراجات تشعر السوريين، ولو بالحد الأدنى نتائج مراكمة الانتصارات التي حققوها طوال عقد من الزمن في مواجهة الحرب الفاشية العدوانية المستمرة عليهم.
حسبما نقرأ في وسائل الإعلام الغربية، والبترودولارية، وفي تصريحات مسؤولين أميركيين، وسلوكياتهم، فإن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعمل بكل قوة على تنفيذ خطوات سياسية واقتصادية، تؤدي إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على سورية في محاولة لتأليب الرأي العام السوري، وتفكيك الحاضنة الشعبية للدولة السورية، والرئيس بشار الأسد، ويترافق كل ذلك مع حملة إعلامية مكثفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام لشن حرب نفسية ترافق تلك الخطوات والإجراءات.
ومما نستشفه فإن واشنطن تضغط على حلفائها الأوروبيين، وخاصة الذين كانوا ومازالوا جزءاً أساسياً من مشروع العدوان على سورية: فرنسا، بريطانيا، ألمانيا…، من أجل دعم هذه الخطوات والإجراءات، ومنها:
– استمرار الاحتلال الأميركي في شمال شرق سورية لحقول النفط، ومنطقة التنف، بهدف حرمان الشعب السوري من موارده الطبيعية، وثرواته التي ستخفف بالتأكيد من الضغط الاقتصادي على الموارد المحدودة حالياً، إضافة إلى منع التواصل الجغرافي الاقتصادي بين دمشق وبغداد وطهران، ما سيمكن هذه الدول من تبادل المنافع والمصالح، وتخفيف الابتزاز الأميركي المستمر لكل دولة على حدة، وهنا لا يخفي ترامب أبداً هذا التوجه عبر تغريداته اليومية، وآخرها قبل أيام عندما قال إن هدفه السيطرة على النفط السوري، مبرراً أسباب الاحتلال العسكري المباشر.
– التطبيق الصارم لـ«قانون قيصر»، وهو الحزمة الأكثر توحشاً من حزم الحصار الاقتصادي الجائر، آخذين بالاعتبار الواقع الاقتصادي اللبناني، وإغلاق منظومة البنوك اللبنانية في وجه السوريين حيث تشير المعلومات إلى أن هناك أكثر من 50 مليار دولار مجمدة للسوريين في المصارف اللبنانية بهدف تجفيف تدفق العملات الصعبة إلى السوق السورية، وإغلاق الرئة اللبنانية، والتحكم بالأوكسجين الذي كان ينعش قليلاً السوق السورية.
– الضغط على الدول الأوروبية والعربية لمنع أي عملية تطبيع سياسي ودبلوماسي مع دمشق، إلا في حال تقديم تنازلات سياسية تراها واشنطن وحلفاؤها من خلال لجنة مناقشة الدستور.
– ربط أي دعم اقتصادي أوروبي أو عربي، أو مساهمة في عملية إعادة الإعمار، أيضاً بما يسمونه تقدماً في العملية السياسية، أي محاولة فرض تنازلات سياسية لم يحصلوا عليها عبر الإرهاب، من خلال ذراع الإرهاب الاقتصادي.
– الاستمرار بالإمساك والتحكم بورقة اللاجئين السوريين سواء من خلال تقديم الدعم الإنساني أم عرقلة عودتهم عبر الضغط على الدول المستضيفة، على الرغم من أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول بات لا يساعد، أو على الأقل ليس إيجابياً تجاه السوريين.
– إبقاء الملف الانفصالي عائماً، وتقديم الدعم المادي للانفصاليين من النفط السوري المسروق في شمال شرقي سورية، وعرقلة أي حوار مع هؤلاء لإعادتهم للحاضنة الوطنية، الأمر الذي يبقي هؤلاء ورقة بيد واشنطن كأداة ضغط على سورية.
– العمل على الضغط الدبلوماسي السياسي من خلال الاتهامات المفبركة باستخدام أسلحة كيميائية، وعبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إضافة إلى استخدام الموفد الأممي غير بيدرسون عبر توجيهه اتهامات لوفد الحكومة السورية بعرقلة الجولة الثانية من لجنة مناقشة الدستور، وهو أمر ليس صحيحاً ولا يعكس الواقع.
مقابل هذه الإجراءات والخطوات الأميركية الغربية تبدو زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى دمشق نقطة تحول مهمة ظهرت نتائجها المباشرة من خلال إعلان وقف إطلاق النار في إدلب، وفتح ثلاثة معابر إنسانية لخروج المدنيين، واللقاء الأمني العالي المستوى بين دمشق وأنقرة بمشاركة روسية بهدف السعي لفتح بوابات مباشرة لإنجاز معركة إدلب، والقضاء على الإرهابيين وتحرير هذه المحافظة التي تشكل مفتاحاً مهماً وأساسياً للشرق السوري، إضافة إلى أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة بعد استشهاد قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وتداعيات هذه الجريمة وانعكاساتها على الانتقال لمرحلة إخراج الأميركي بشكل نهائي من المنطقة، وهو ما سوف يتخذ مسارات دبلوماسية وسياسية وشعبية وصولاً للمقاومة العسكرية إذا لم تنجح المسارات الأخرى.
بمعنى أن الاتجاه العام الإستراتيجي يصب في مصلحة سورية ومحور المقاومة، وهو ما يتطلب صبراً إستراتيجياً لأن الظروف تتبدل بشكل واضح داخل أميركا وفي أوروبا وعلى صعيد المنطقة، ولكن هذا الصبر الإستراتيجي الذي نتحدث عنه يحتاج في جزء أساسي منه إلى إدارة ناجحة لمنح الناس هذه القدرة على الصبر الإستراتيجي، أي إنه لا يمكن القول للناس عليكم أن تصبروا في ظل فساد مرعب متوحش مستشر في كل زاوية، الأمر الذي يضعف قدرتنا على الصمود والصبر الذي فاق كل تصور، والحقيقة أن إلقاء كل اللوم على الخصوم والأعداء هو محاولة للهروب من المسؤولية، والفشل الواضح جداً في إدارة الملف الخدمي على ضعف الإمكانات، إذ إن حساباً بسيطاً لحجم الأموال التي تمّ تحصيلها مؤخراً من بعض المتمولين يكشف لنا أن هناك مئات المليارات المهدورة، وإذا أضفنا لها مئات مليارات الفساد المستشري، فسوف نصل إلى نتيجة مفادها أن هناك فشلاً ذريعاً في إدارة الموارد المحدودة أصلاً، وهو ما أوصل مواطننا إلى مرحلة حرجة جداً، وصعبة التبرير من دون أن نسمع سوى تبريرات، وتبريرات تارة تلقي اللوم على الحصار، وتارة على الحرب، من دون أن نلمس أي حلول إبداعية جديدة تخفف ولا نقول توجد حلولاً جذرية لمشاكلنا الكثيرة.
أفكر أحياناً وأسأل نفسي: هل هؤلاء الفاسدون ينتمون فعلاً إلى هذا الوطن وشعبه وجيشه الذي دفع ثمناً غالياً من أجل أن يعيش سيداً حراً مستقلاً، وليس من أجل أن نرى هذا الفحش في الفساد وقلة الانتماء الوطني والنهش المستمر من دون رحمة بأبناء البلد؟
الحقيقة التي يجب أن نقولها بوضوح شديد لمن هو معني بإدارة ملفات الخدمات والاقتصاد، وشؤون المواطنين: إنكم فاشلون فاشلون، فاسدون فاسدون، ولم تقدموا حلولاً إبداعية جديدة تخفف عن المواطن ظرفاً اقتصادياً قاسياً جداً، الأمر الذي يتطلب منكم الوضوح والصراحة ونظافة الكف، فمن أوكلت له مسؤولية معينة، عليه أن يتذكر في كل لحظة أن المسؤولية في هذه المرحلة التاريخية الحساسة جداً تتطلب تضحية، وليس أنانية، نظافة ونزاهة، وليس لصوصية وفساداً، واحترام تضحيات السوريين الهائلة، وليس التعاطي وكأن شيئاً لم يحدث، الصراحة والشفافية وليس الصمت المطبق واستحمارنا بطريقة غبية.
لن نسمح لكم أيها الفاسدون الذين تتآمرون على وطنكم بسرقة تضحيات آلاف السوريين لتعبئة جيوبكم ولابد من تصحيح هذا المسار الأعوج لأن هؤلاء قطعاً لا ينتمون لسورية العزة والكرامة، وهم جزء من التآمر على بلدهم عرفوا ذلك أم لم يعرفوا.
الصبر الإستراتيجي أيها السادة يحتاج لرجال، وليس أشباه رجال وفهمكم كفاية.
هامش : هل يخبرنا المسؤول الحزبي ماذا فعلت مدرسة الاعداد الحزبي التي يديرها لمواجهة الوضع الحالي ولخلق جيل قادر على ان بكون جزءا من العلاج .. الوضع الحالي يحتاج الى تضافر جهود الجميع وخاصة المؤسسات المعنية من أجل بناء سد في وجه ما تتعرض له بلادنا … الامعان في الانتقاد لايصنع حلولا ؟
سيرياستيبس .