الدكتور سعد بساطة .
بعد تأسيس الجيش السوري في 1 آب 1945بدأت عملية البحث عن مصادر لتسليحه.
في العام 1948 تم توقيع اتفاق مع بريطانيا لشراء مجموعة من الأسلحة الخفيفة تبعه آخر مماثل مع أمريكا، إلا أن كبرى الصفقات تمت خلال ولاية الرئيس شكري القوتلي الثانية في العام 1955 عندما أبرم مع تشيكوسلوفاكيا صفقة كبيرة لشراء الأسلحة قدرت قيمتها بعشرات الملايين من الليرات السورية ….
ولأن الدولة لم تكن تملك المال اللازم لتسديد ثمنها، فقد اقترح الرئيس شكري القوتلي أن يقوم الشعب السوري بتمويل جيشه، من خلال حملة أطلق عليها اسم “أسبوع التسلّح في سوريا” ….
ابتدأت الحملة من دمشق وكان الرئيس شكري القوتلي أول المتبرعين لها ومن ماله الخاص، واستمرت الحملة مدة أسبوع لتنتقل بعدها إلى حلب ومن ثم إلى الجزيرة السورية….
وفي دمشق كان من المتوقع أن يصل التبرع في تلك الحملة إلى مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية، لكن حدثت قصة غيرت مجرى الأحداث ….
هذه القصة روتها مجلة “الإثنين والدنيا” في عددها الصادر بتاريخ 19/ 12/ 1955 في مقال بعنوان “شيك بمبلغ 100 ألف ليرة سورية يصبح أسطورة في الشام …” جاء فيه:
“لقد قضى الرئيس شكري القوتلي أكثر من شهر وهو ينظم ويشرف على البرنامج الضخم الذي وضع لحملة أسبوع التسلّح في سوريا … وكان أكثر المتفائلين لا يتوقع أن يصل حجم التبرعات لأكثر من خمسة ملايين ليرة سورية، لكن حدث مالم يكن بالحسبان بعد أن أقدم شاب على قَدْحِ شرارة غيرت مجرى الأحداث…
هذا الشاب هو المهندس موفق الميداني، مهندس إنشائي مغترب في المملكة العربية السعودية، تحرك في قلبه الحنين إلى الشام عندما سمع عن أسبوع للتسلّح في سوريا، وأن من يشرف عليه هو رئيس الجمهورية بالذات، فتذكر الخطر الذي يحدق ببلاده ومسقط رأسه، وقرر أن يتبرع بجزء من رأس ماله لصالح الجيش السوري الذي يسهر على حماية الحدود، فأرسل برقية إلى أخيه الصناعي محمد الميداني في دمشق يخبره فيها أن يقدِّم إلى الرئيس شكري القوتلي شيكاً على البنك العربي بمائة ألف ليرة سورية (ما يعادل 20 ألف ليرة ذهبية) وأن يقدم إلى رئيس الأركان العامة، الزعيم شوكت شقير تكاليف تجهيز ثلاثين غرفة في المستشفى العسكري مجهزة بالأثاث الفاخر الذي يليق بحماة الوطن ….
وذهب الشقيق إلى الرئيس شكري القوتلي وقدم له المائة ألف ليرة سورية، وفعل الشيء ذاته مع رئيس الأركان العامة وقدم له تكاليف تجهيز ثلاثين غرفة في المستشفى العسكري، قدرت نفقاتها بثلاثين ألف ليرة سورية (ما يعادل 6000 ليرة ذهبية) ….
وانطلقت الصحف السورية في اليوم التالي تتحدث عن هذا العطاء الجزيل من ابن دمشق البار المهندس موفق الميداني، وما قدّمه في سبيل تسليح جيشه، فتحرك أصحاب الملايين وعددهم في دمشق لا يقل عن المئة شخص ليقوموا بمثل ما فعل الميداني، وبدأت الأندية والصالونات تنشط وتتحفز وتهمس عن المبالغ الضخمة التي يفكر أصحاب الملايين في تقديمها لأسبوع التسلّح. وسرعان ما انتقلت التوقعات لحجم التبرعات المفترضة من الحملة، من مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية إلى مبلغ قارب الخمسين مليون ليرة سورية!!
ويروي من عاصر تلك الحقبة أن النساء كانت تنزع حليّها ومجوهراتها وتقدمها إلى لجان جمع التبرعات بكل سرور وحماسة وطيب خاطر”.
كم يا ترى يلزمنا من شرارات من العيار الثقيل لنقول بملء الفم “ما أشبه اليوم بالأمس” ؟؟
#أنقِذوا_الليرة_السورية