د. سعـد بساطة – صحيفة تشريـن..
من الأمور الوضعـية التي ابتدعـها الإنسان والتي سنتناولها من الناحية لاقتصادية.
ترتبط الحدود بأذهاننا بالاحتياطات الأمنية، الحواجز، الأسوار، كاميرات المراقبة، والتي اعتدنا رؤيتها عند سفرنا براً من دولة لأخرى؛ حتى بتنا نظن ونجزم بأنّ تلك هي الصورة الطبيعية للحدود، فهي تحمل الصفات العسكرية ؛ ولكن هناك نوعية أخرى من الحدود الطبيعي، والصناعي.
الحدود بين هولندا وبلجيكا: الدولتين الأوروبيتين المتلاصقتين وأرقى الحدود بالعالم، فالحدود إشارات بسيطة مرسومة على الأرض فقط ، والجميل أنّ بعض المقاهي الواقعـة على الحدود مباشرة تمكنك من احتساء كوب القهوة في بلجيكا أو في هولندا، وكل من شطري المدينة يتبع لبلدية مختلفة، ومن الطريف ما يحدث مع البيوت التي تقسمها تلك الحدود، أحد السكان أكد أنّ لديه اشتراكين للكهرباء، هولندي لإضاءة الجزء الهولندي، وبلجيكي لإضاءة الجزء البلجيكي في نفس المنزل، ويدفع فاتورتين منفصلتين!
تعتبر الحدود الأميركية الكندية أطول الحدود بين دولتين في العالم، فيها بعض الجزر الصغيرة والمدن الحدودية تعتبر ملكيةً مشتركةً، حيثُ يقع جزء منها في كندا فيما يقع الجزء الآخر في أميركا، و سكانها يملكون الحق في الانتقال دون أي قيود، ولا يوجد بداخلها سوى خط أرضي بسيط يخبرك فيما لو كنت تقف في الولايات المتحدة أم في كندا، والحدود هناك بين الدولتين العظميين، هي طريق صغير على يساره الأشجار الأميركية، وعلى يمينه الأشجار الكندية، فيما تغطيه الثلوج الكثيفة أغلب فترات العام.
أحد أخطر الحدود بين بلدان العالم التي لا ينصح المغامرة بالاقتراب منها، يبلغ طول الحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية 150 ميلًا، عرفت توترًا شديدًا مؤخـراً بعد القصف المتبادل بينها، وتجري حاليًا محاولات دبلوماسية للتهدئة خشية تكرار سيناريو الحرب بينهما بفترة الخمسينات.
خاضت باكستان والهند ثلاث حروب ضروسة ناهيك عن المناوشات المستمرة، الأولى كانت سنة 1947، والثانية في 1965، والثالثة سنة 1971 وهي التي انتهت باقتطاع الأراضي الشرقية لباكستان وقيام جمهورية بنغلاديش، خلفت تلك الحروب مائتي ألف قتيل.
(سوريا- العراق – تركيا – إسرائيل – الأردن):تمثل الحدود التي تطوق سوريا من كل الجهات حزامًا ناريًّا، بعد انهيار الوضع في سوريا ودخولها في حرب أهلية مستعرة، خلفت حتى الآن مقتل 250 ونزوح 11 مليون شخص، ولا زال مجلس الأمن لحد الساعة يعجز عن حل المشكلة السورية.
السعودية – اليمن:تعتبر كذلك المنطقة التي تفصل بين أغنى بلد في الدول العربية وأفقر دولها منطقة ملتهبة، وذلك بعد أن شنت السعودية عملية عسكرية
الولايات المتحدة والمكسيك:يلعب السكان المحليون الكرة الطائرة على الحدود، بين الولايات المتحدة (الجانب الأيسر) والمكسيك (الجانب الأيمن)، وقد اتخذوا من السياج الفاصل بينهم شبكة، تحاكي الشبكة المستخدمة في ملاعب الكرة الطائرة الحقيقية. ويسعـى طرمب لبناء جدار هائل بينهما!
ترجع فكرة إقامة الحدود منذ القرن التاسع عشر، كما أن إجراءات السفر وما يرتبط بها من مشكلات التنقل من دولة إلى أخرى لم تكن شائعة حتى نهاية القرن التاسع عشر. والدول لم تعهد سابقاً الخطوط للفصل فيما بينها، بل كانت معـروفة على التخوم، ولم يكن بينهما من هذه الأقاليم إلا نقاط معينة تنفذ من خلالها التجارة وتقام عندها الجمارك.
هناك أربعة معايير أساسية لترسيم الحدود السياسية، أولهم المعيار الإستراتيجي في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، والمعيار الإثنوغرافي الحضاري في فترة ما بين الحربين العالميين، والمعيار الاقتصادي في الوقت الحاضر، أما المعيار الرابع فهو القوة والقهر والاتفاقات الغير متكافئة.
ينبغي التدقيق في عملية تخطيط الحدود السياسية لمنع نشوب منازعات مع دول الجوار بشأن استغلال تلك الموارد، إلا أن تحقيق ذلك يصبح متعذراً أحياناً في حالة وجود موارد تمتد عبر الحدود، مثل وجود حقل بترول، كحقل الرميلة بين الكويت والعراق!
نمطين من الحدود السياسية:البريّة وهي التي تفصل بين الدول على يابس الخريطة السياسية للعالم، أي أنها تقتصر على الحدود بين الدول في قارات العالم.
والبحرية: وهي التي تحدد نطاق الولاية البحرية للدولة التي تطل على ساحل بحر أو محيط. ويطلق عليها أحياناً خطوط في البحروتتضمن خطوط الأساس، وحدود الحافة القارية، أو المنطقة الاقتصادية الخالصة، والحدود بين الدول ذات السواحل المتجاورة والمتقابلة.
ختاماً نتذكر فيلم الحدود: وهو كوميدي أنتج عام 1984. كتب نصه السينمائي والسيناريو والحوار محمد الماغوط ، ودريد لحام مثل الدور الرئيسي فيه؛ ويسخر من إدعاء الوحدة العربية والتعاون العربي من خلال سائق مسافر بين بلدين، تدعى الغربية غربستان والشرقية شرقستان، تشاء الصدف أثناء مروره في المنطقة الواقعة بين البلدين أن تضيع أوراقه الثبوتية وجواز سفره، فلا يستطيع العودة إلى بلده المنشأ ولا دخول البلد الآخر.
هل اختلف الوضع الآن؟!