هل هو باب للفساد والارتزاق؟ … «الوطن» تكشف خفايا تمويل المستوردات من المصارف الخاصة وشركات الصرافة.. هل حقاً دولار استيراد المواد الرئيسة بـ436 ليرة؟
الوطن – علي نزار الآغا
يفترض أن تموّل المصارف العاملة في القطر المسموح لها التعامل بالقطع، 10 أصناف لمواد رئيسة، بالسعر الرسمي للدولار، الذي يحدده مصرف سورية المركزي، وهو 436 ليرة سورية، في محاولة لمنع احتكار تلك المواد من المستوردين، وتأمينها للمواطنين بأسعار مناسبة، ما دام تسعيرها سيتم وفق سعر الصرف الرسمي، وليس المتداول في «السوق السوداء»، وبما يؤمن مستلزمات العملية الإنتاجية اللازمة للحفاظ على استمرارها.
وتضم تلك المواد السكر والرز والزيوت والسمون والشاي وحليب بودرة للأطفال والمتة، إضافة إلى البذور الزراعية وبيض التفقيس، والأدوية وموادها الأولية.
الشكوى الدائمة للمستهلكين، أن أسعار تلك المواد مسعّرة على سعر الصرف المتداول في «السوق السوداء»، بدليل ارتفاعها بشكل موازٍ لارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة، حتى إنها لا تنخفض عندما تتحسن الليرة.
التجار بدورهم يشتكون من العمولات التي تفرضها تلك المصارف على التمويل، التي تتجاوز 45 بالمئة من قيمة الإجازة أحياناً، عدا أن المصرف قد لا يموّل كامل البوليصة، وقد يمولها على دفعات، وكل بحسابه.
«الوطن» تكشف آلية تمويل إجازات استيراد المواد الأساسية، والتي تبدأ بتقديم طلب إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية للحصول على إجازة استيراد للمواد التي يرغب بها المستورد، ضمن القائمة التي يفترض تمويلها بسعر الصرف الرسمي، وبعدها يودع المستورد مؤونة في أحد المصارف الخاصة بنسبة 25 بالمئة من قيمة الإجازة ريثما تصدر «ومدتها شهر»، ثم يضع مؤونة بنسبة 15 بالمئة من قيمة الإجازة ريثما يتم تنفيذها، وكلها من دون فوائد.
ويطلب المستورد من البنك نفسه الذي أودع فيه المؤونة الحصول على تمويل لتغطية إجازة الاستيراد بالدولار، وهنا تبدأ القصة، إذ يبين مدير في أحد المصارف الخاصة، أن المصرف يتعامل إما مع شركة صرافة، وإما مع مصرف مراسل، حسب الإمكانية، لتحويل قيمة الإجازة، لذا تطلب شركة الصرافة المبلغ نقداً، وليس تحويلاً من حساب المستورد إلى حسابها، ولتحقيق ذلك، يتم فرض عمولات ورسوم عالية، توزع بين المصرف وشركة الصرافة.
ويؤكد المدير أن تلك الرسوم، في العادة، تتم تغطيتها، بطريقة أو أخرى، وقد توزع نسبة منها بين بعض العاملين في البنك، في حال وجود فساد فيه، وقد تذهب للمصرف كاملة تحت مسمّيات متعددة. وهنا لا يمكن لأحد أن يجزم بالأمر إلا الذي يعمل به.
ويلجأ المستورد إلى شركات صرافة لتسديد مستحقات الشركات المورّدة خارج سورية، ووفقاً لعدد من المستوردين والمديرين في المصارف الخاصة ممن تواصلت معهم «الوطن»، فإن عمولات التحويل التي تدفع لشركة الصرافة قد تصل 30 بالمئة من قيمة المبلغ، وقد ترتفع في بعض الأحيان إلى 40 بالمئة، أما عمولة المصرف، فتبدأ بنسبة 3.5 بالمئة يضاف إليها فوائد ورسوم وعمولات أخرى لتصل إلى 8 بالمئة، على حين بين أحد المستوردين أنها تتخطى 15 بالمئة أحياناً، وهذا ما أكده مدير في مصرف خاص أيضاً، إذ إن الأمر يختلف من مصرف لآخر.
وبحسبة بسيطة، نكون أمام عمولات إجمالية لشركة الصرافة والبنك تبدأ بـ38 بالمئة وقد تصل إلى 55 بالمئة في بعض الأحوال، أي بوسطي 46.5 بالمئة، ما يعني أن دولار الاستيراد للمواد الرئيسة المدعومة يتحمل زيادة بأكثر من 202 ليرة لكل دولار عمولات ورسوماً وفوائد.. وغيرها، ليقترب من 639 ليرة، والرقم قابل للزيادة، وقد يصل إلى 676 ليرة، وهذا رقم كبير جداً، سببه عمولات، لا نعلم إن كانت باباً للفساد، لكن ما هو معلوم، أنها تميّع موضوع الدعم، وتجعله منفذاً للاسترزاق من بعض شركات الصرافة والمصارف الخاصة، على حساب الهدف الرئيس للتمويل بسعر الصرف الرسمي، وهو ضبط أسعار المواد الأساسية في السوق وعدم رفعها مع تقلبات سعر الصرف المتداول في «السوق السوداء»، وعدم إرهاق المواطن، وبالتالي تحويل دعم المواطنين إلى فرصة لكسب الأرباح والعمولات المرتفعة، وهو ما يقتضي من الجهات المعنية التفتيش والتدقيق لتبيان حقيقته.
«العام» حصراً
أكد مدير في أحد المصارف العامة لـ«الوطن» تقاضي المصارف الخاصة العاملة في تمويل الاستيراد، عمولات كبيرة من قيمة الإجازة، مؤكداً أن المصارف العامة، وخاصة المصرف التجاري، لا يحق له تمويل إجازات استيراد المواد الأساسية المحدد تمويلها بسعر الصرف الرسمي، نظراً لأن المصرف المركزي يربطها بمركز القطع التشغيلي في المصارف، والمصرف التجاري ليس لديه مركز قطع تشغيلي، ونفى مصدر في المصرف التجاري السوري قيامهم بتمويل أي إجازة استيراد.
وأكد مدير في أحد المصارف العامة أن فكرة حصر التمويل بالقطاع العام بدل الخاص، قابلة للتطبيق، ولها إيجابيات عديدة، أبرزها ضمان استقرار أسعار السلع الرئيسة، من خلال تخفيض تكاليف الاستيراد، إلا أن الموضوع يتطلب آلية مختلفة كلياً عن القائمة حالياً، وذلك بإشراك المصارف العامة جميعها، وليس التجاري فقط، لتمويل إجازات الاستيراد للمواد الرئيسة، بشرط وجود لجنة حكومية عالية المستوى تضم المصرف المركزي ووزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، وحصر الاستيراد بالمؤسسات العامة التي يمكنها الاستيراد، مثل مؤسسة التجارة الخارجية، والسورية للتجارة، من خلال تعاملها مع وكلاء، ولكن من دون كل تلك العمولات، وبما يعزز الرقابة على استخدام القطع الأجنبي، وحصره بالتمويل للمواد الرئيسية بالسعر الرسمي، إضافة إلى إمكانية التسعير بشكل حقيقي، وتوزيع المنتجات في الأسواق وفق رقابة حكومية دقيقة، تتابعها وزارة التموين بالرقابة على الالتزام بالتسعيرة الرسمية والحقيقية قياساً إلى التكلفة، على أن يقوم المصرف المركزي بتغطية المصارف العامة بالقطع كما يفعل مع الخاصة.