الوطن ـ علي محمود هاشم
على أهميته، لم يخل مشروع الدعم التمويني عبر البطاقة الذكية من تضعضع بائن في تحليل نظام العمل وتهلهل واضح في الرؤية العامة لدورها في ضبط الثغرات التي تكتنف هيكلية الدعم الاجتماعي.
متوالية «التصريحات» التي تناولت كميات السلة «الفقيرة» وآليات توزيعها وآفاقها، وما لحق بها من «تصحيحات» فذة لما اكتنف نظام عملها من أخطاء تظللت بمزاعم «التجريب»، أظهرت مشروع المقنن التمويني، وهو الغارق في القدم ضمن السياسات الحكومية، وكأنه ضحية لفكرة أومضت ذات مساء، فتم تطبيقها صباحاً!
على صعيد الشكل، يتمظهر ذلك «التسرع» من خلال مسحة «المزاج الرايق» الطاغي على مواد السلة «المدروسة» سكراً وشاياً، قياساً بالأرز! وتأكيداً لما يمكن استلماحه من «شلف» في هذا الجانب، فقد تم بناء السلة بعيداً عن مؤشرات بيانات الإعالة أو تعويضات المواليد وحتى وسطي أفراد العائلة السورية، ليس ذلك فحسب، بل بما يخالف قواعد «الجمع البسيط في الثاني الابتدائي» أيضاً.
على هذا المنوال من الاستهتار الكمي، سيكتفي أربعة من خمسة في كل عائلة، بشرب الشاي وهم يتفرجون طوال الشهر على ثلاثة منهم وهم يأكلون كيلوغرامات الأرز الثلاثة! فيما أحد ذينك الإثنين، وعلى أمل أن محصناً ضد مرض «البلاغرا» ومصاباً بداء السكري، سيكتفي بالاستمتاع -مراراً وتكراراً- بكأس الشاي مرّاً!
في الشكل أيضاً، ووفق الإعلانات الاستدراكية لما سيضاف إلى «السلة الفقيرة»، يكرر «سمك السردين» الأحاسيس بـ«الشلف» تبعاً لقدرته على القفز إليها في الوقت الذي كان لقطاع الدواجن «أو حتى المسامك الصناعية أو الصناعات الغذائية لبدائل المستوردات» أن يحل مكانه بشكل مريح وفق تناسبية مجدية قد تسهم دراستها بشكل موضوعي، في اصطياد عصفورين أو أكثر بـ«سلة» واحدة، عبر إضفاء مزيد من التكاملية على خطط الدعم الحكومي لتقليص التحديات التي تواجه أرصدتها.
تبعاً لتكريسها «الضروري والمطرد» في ميدان الدعم، وتمددها المتوقع إلى قطاعات أخرى قريباً، وزيادة عن التمكين الفني الذي تتطلبه «البطاقة الذكية» بما في ذلك بناء واجهات التخاطب الآمنة مع قواعد البيانات المدنية، يجدر بالحكومة أن تجد لها فريقاً «كريماً» لتوصيف مكونات السلة، ومتمرساً في توليف ترابطها مع الإستراتيجيات الاقتصادية الأخرى، على أن تتيقن أولاً من أن كرمها هنا ليس بلا عائدية، فإلى جانب الوفر الضخم الذي سيتم تحقيقه عبر ضبط الهدر والتهريب الداخلي والخارجي للسلع المدعومة، فإن السلة «الكريمة» ستحررها جزئياً الركض المزمن وراء تدبير السياسات النقدية المناسبة كلما تفاقمت المنعكسات للحرب الاقتصادية، كما ستسهم -بطريقة معاكسة- في خلق استقرار الحد الأدنى في عرض وطلب السلع الأساسية ما يجعل من حركية الأسعار أكثر تثاقلاً في طورها الصاعد، وأخف انزلاقاً في النازل، لتتحول محصلة هذه المنعكسات مجتمعة، تبريداً للتقلبات التضخمية ضمن الحدود المتاحة.
رغم ما سلف، وبغض النظر عن عشرات الانتقادات الأخرى التي يمكن توجيهها إلى آليات توريد وتوصيل المقنن التمويني عبر البطاقة الذكية، إلا أنه لا يجدر التقليل من شأن أول أمس كيوم جلل في حياة الفساد الحكومي ومنعطف حاسم في مسيرة مكافحته، إذ من كان يتوقع أن يتمكن وزير التجارة الداخلية من الوقوف يوماً أمام «الميكروفون الحكومي»، معلناً بياناته اللحظية الدقيقة عن عدد «ليرات» الدعم التمويني التي تم تمريرها بشكل مؤكد من جيب الدولة إلى جيوب المستفيدين، مباشرة من دون فساد؟