في غفلة عن قضية غاية في الأهمية، إن لم نقل الخطورة، سببها انشغال إعلامنا عنها بالأزمات المعيشية وتوابعها من غاز ومازوت وكهرباء، وسعر الصرف، ولقاءات واجتماعات ماراثونية للحكومة بالقطاع الخاص التجاري والصناعي..إلخ، نعيد التذكير والتحذير ممّا يحدث لأراضينا الزراعية التي أضحت مستباحة من تجار وسماسرة الأراضي والمشاريع والعقارات، ممن لا همّ لهم سوى تضخيم ثرواتهم، حتى لو كان ذلك على حساب أمننا وأماننا الزراعي…
في هذا المضمار الذي يكتنفه الكثير والكبير من الشبهات، نكاد نجزم أنه ليس هناك رقم دقيق ولا حتى تقريبي، لإجمالي مساحة الأراضي الزراعية في سورية عامة، وبالتالي في كل محافظة من المحافظات…
جزمنا ليس اتهاماً لها، وإنما هو بفعل التغيرات العمرانية الطارئة يومياً على تلك المساحات، بدءاً من منطقة الاستقرار الأولى حتى الثالثة، ناهيكم عمّا يتلوهما..!.
ولعل محافظة ريف دمشق، تعتبر مثال على ما نقوله، فمساحاتها الزراعية اليوم، وبعد التحرير، ليست كما كانت قبل الأزمة، وحتى ما قبل الأزمة أيضاً لم يكن الوضع بأفضل حال..!.
تلك المساحات مثل العديد منها في أرياف المحافظات الأخرى وخاصة التي تتصف بخصوبتها، كانت لقمة سائغة للتغوّل العمراني بشقيه النظامي وغير النظامي، حيث تنامى الشق الأخير بفعل فساد الوحدات الإدارية .
أراضٍ زراعية، شكّلت منتجاتها الزراعية، حسبما أكده وزير الزراعة بتاريخ 7-11-2019، خلال اجتماع خاص بالأسرة الزراعية، ما نسبته 60% من الصادرات السورية خلال سنوات الحرب..!؟.
رغم هذه النسبة العالية وما تعنيه في دلالاتها وقيمة الأراضي التي تنتجها، إلاَّ أن مَن يفترض بهم المتابعة والمراقبة ومنع التعدّي الجائر على تلك المساحات الثمينة، كانوا ولا يزالون في سبات عميق ومشبوه، عما يحدث من تطاولٍ أبطاله سماسرة وتجار أراضٍ زراعية..!.
انتهاكات بالجملة والمفرق، لحرمة المصدر الوحيد لأمننا الغذائي، وما يعنيه هذا الأمن في السيادي السياسي والقرار الاقتصادي..، لا نُلام إن اتهمنا أنها استعصت على الضبط والقمع بفعل فاعل، وسيظل الاتهام قائماً ما دامت تلك الانتهاكات مستمرة، بفعل ما يرخّص ويشيّد من مشاريع كلها ريعية بعيدة كل البعد عن الإنتاجي..!.
ما حرَّضنا على هذا الطرح القديم الجديد، قيام رئيس مجلس الوزراء بجولة اطّلاعية على الواقع الزراعي (النباتي والحيواني) ومشاريع الأسرة الريفية (الزراعية) في منطقة المليحة بريف دمشق الشهر الفائت، للوقوف على متطلبات المزارعين ومتابعة تنفيذ خطة الحكومة لاستنهاض الزراعة في جميع المناطق المحررة من الإرهاب وإعادة استثمار كل متر قابل للزراعة..؛ مستغربين عدم تنبّه الحكومة ومشاهداتها للتغيرات العمرانية العشوائية..، التي تكاد تستهلك ما تبقى من أراضي ريفنا حتى في المناطق الآمنة..!.
التأكيد على زراعة كل متر مربع، في الوقت الذي نشهد على تناقض بنيوي، وتحوّل خطير يتمثل بانخفاض المردود الزراعي يقابله ارتفاع أسعار الأرض بوصفها ملكية عقارية لا وسيلة إنتاج..؟.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com